السؤال
أعيش في أوروبا، وقد اشتركت مع مجموعة إسلامية لتوزيع القرآن الكريم مترجما بعدة لغات.
فهل يجوز وضع القرآن الكريم في صناديق البريد الخاصة، في منازل غير المسلمين، من دون إذنهم. حيث إن هذا الموضوع أصبحا اعتياديا في أوروبا، وكثير من الشركات تضع بعض إعلاناتها في صناديق البريد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج في إهداء غير المسلم ترجمة معاني القرآن الكريم غير المصحوبة بالنص القرآني، بل إن ذلك من سبل دعوتهم إلى الله تعالى، وتعريفهم بالإسلام من منبعه الأصيل، وكم من أناس اهتدوا بسبب قراءتهم لهذه الترجمات.
ولكن وضعها في صناديق البريد الخاصة بهم قد لا تحقق اطلاعهم عليها، إذ الغالب أن صاحب البريد إذا فتحه يأخذ منه ما كان موجها إليه بصفة مباشرة، ويرمي ما سوى ذلك، وهنا قد يقع الشخص في محظور شرعي، وهو تعريض هذه الترجمة للامتهان. بل ربما للإهانة عن قصد منهم، أو من غير قصد.
فلذلك نرى أنه ينبغي اجتناب وضع ترجمة معاني القرآن الكريم في صناديق البريد، صونا لها، ولكون وضعها فيها لا يحقق الغرض المنشود.
ويمكن الاستغناء عن ذلك بوسائل أخرى تحقق دلالتهم على الخير، ولا يترتب عليها إهانة لترجمة معاني القرآن الكريم، ومن ذلك وضع ملصق على أبواب البيوت يتضمن رابطا لأحد مواقع التعريف بالإسلام (كيو آر كود)، لعل ذلك يستهوي من يراه منهم، فيدخل إلى الموقع، وهناك سيجد ترجمة معاني القرآن، وغير ذلك مما ينفعه. ولا يترتب عليه محظور إن شاء الله تعالى.
هذا، وليعلم أن ترجمة معاني القرآن ليس لها حكم القرآن من حيث مس غير المسلم لها، بل هي من قبيل التفسير؛ لأن القرآن هو: اللفظ العربي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ولذا قال الفقهاء رحمهم الله تعالى: لا تحرم قراءة الترجمة على الجنب والحائض، وكذا الكافر.
وأما ترجمة القرآن المتضمنة لنسخة المصحف باللغة العربية؛ فبالإضافة إلى أنهم لن ينتفعوا بالنسخة العربية؛ فإن تمكين الكافر من القرآن الكريم بلغته العربية لا يجوز.
قال الإمام الباجي في كتابه (المنتقى شرح الموطأ): ولو أن أحدا من الكفار رغب أن يرسل إليه بمصحف يتدبره، لم يرسل إليه به؛ لأنه نجس جنب، ولا يجوز له مس المصحف، ولا يجوز لأحد أن يسلمه إليه. ذكره ابن الماجشون.
وكذلك لا يجوز أن يعلم أحد من ذراريهم القرآن؛ لأن ذلك سبب لتمكنهم منه، ولا بأس أن يقرأ عليهم احتجاجا عليهم به، ولا بأس أن يكتب إليهم بالآية ونحوها على سبيل الوعظ، كما كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملك الروم: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران: 64] ... لأنهم ربما تمكنوا من نيله -أي المصحف- والاستخفاف به، فلأجل ذلك منع السفر به إلى بلادهم. انتهى.
وقال الإمام النووي في كتابه (المجموع شرح المهذب): اتفقوا على أنه لا يجوز المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو) واتفقوا أنه يجوز أن يكتب إليهم الآية والآيتان وشبههما في أثناء كتاب؛ لحديث أبي سفيان -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم كتابا فيه (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) الآية. انتهى.
والله أعلم.