السؤال
قال الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة...الآية" .
فهل من لا يملك، ولا يعرف أساليب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال، لا يدعو إلى الله، ويسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
قال الله عز وجل: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة...الآية" .
فهل من لا يملك، ولا يعرف أساليب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال، لا يدعو إلى الله، ويسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من كان يعرف الأساليب الدعوية، ينبغي له استخدام كل وسيلة في مكانها المناسب.
ومن تلك الأساليب ما ذكره بعض أهل العلم من مراتب الخطاب الدعوي، المذكور في قول الله سبحانه: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين {النحل:125}.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الحكمة هي: التعريف بالحق، وهذه المرتبة مناسبة للمستجيبين الطالبين للحق.
وأما الموعظة الحسنة فهي قرن الحكمة بالترغيب والترهيب، وهذه المرتبة للغافلين المعرضين.
وأما مرتبة الجدال، فهي للمعارضين المعاندين.
قال ابن تيمية في الرد على المنطقيين: الإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يعرف الحق ويعمل به، وإما أن يعرفه ولا يعمل به، وإما أن يجحده.
فأفضلها أن يعرف الحق ويعمل به. والثاني: أن يعرفه، لكن نفسه تخافه، فلا توافقه على العمل به. والثالث: من لا يعرفه، بل يعارضه.
فصاحب الحال الأول هو الذي يدعى بالحكمة؛ فإن الحكمة هي العلم بالحق، والعمل به. فالنوع الأكمل من الناس من يعرف الحق ويعمل به، فيدعون بالحكمة.
والثاني: من يعرف الحق، لكن تخالفه نفسه، فهذا يوعظ الموعظة الحسنة.
فهاتان هما الطريقان: الحكمة والموعظة. وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا؛ فإن النفس لها أهواء تدعوها إلى خلاف الحق وإن عرفته، فالناس يحتاجون إلى الموعظة الحسنة وإلى الحكمة، فلا بد من الدعوة بهذا، وهذا.
وأما الجدل: فلا يدعى به، بل هو من باب دفع الصائل. فإذا عارض الحق معارض، جودل بالتي هي أحسن؛ ولهذا قال: وجادلهم. فجعله فعلا مأمورا به، مع قوله: ادعهم، فأمره بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمره أن يجادل بالتي هي أحسن. وقال في الجدال: بالتي هي أحسن، ولم يقل بالحسنة، كما قال في الموعظة؛ لأن الجدال فيه مدافعة ومغاضبة، فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن حتى يصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة، والموعظة لا تدافع، كما يدافع المجادل. فما دام الرجل قابلا للحكمة أو الموعظة الحسنة، أو لهما جميعا لم يحتج إلى مجادلة. فإذا مانع، جودل بالتي هي أحسن .اهـ. من الرد على المنطقيين.
وقال ابن القيم: والدعوة الى الله بالحكمة للمستجيبين، والموعظة الحسنة للمعرضين الغافلين، والجدال بالتي هي أحسن للمعاندين المعارضين. فهذه حال أتباع المرسلين وورثة النبيين.
وقال أيضا: جعل الله -سبحانه- مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق. فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه: يدعى بطريق الحكمة. والقابل الذي عنده نوع غفلة وتأخر: يدعى بالموعظة الحسنة. وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب. والمعاند الجاحد: يجادل بالتي هي أحسن. اهـ. من مفتاح دار السعادة.
ومن لم يكن متمرسا ذا خبرة بالأساليب المناسبة، فلا يسوغ له ترك الدعوة، ولكن ينبغي أن يدل الناس على الخير وينهاهم عن الشر من خلال ما علم في ذلك من نصوص الوحيين ولو قل، عملا بقوله تعالى: بلغ ما أنزل إليك من ربك. {المائدة:67}. وبحديث البخاري: بلغوا عني ولو آية.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
ولا يلزم أن يدعو بنصوص الوحي إن لم يكن حافظا، بل يشرع له أن يدعو بما تأكد من صحته، وأنه مما دل عليه الوحي.
فقد قال المباركفوري في كتابه تحفة الأحوذي في شرحه للحديث: (بلغوا عني ولو آية) أي ولو كان المبلغ آية.
قال في اللمعات: الظاهر أن المراد آية القرآن، أي ولو كانت آية قصيرة من القرآن، والقرآن مبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الجائي به من عند الله. ويفهم منه تبليغ الحديث بالطريق الأولى، فإن القرآن مع انتشاره وكثرة حملته، وتكفل الله -سبحانه- بحفظه، لما أمرنا بتبليغه، فالحديث أولى. انتهى.
والآية ما وزعت السورة عليها، وقيل المراد بالآية هنا الكلام المفيد نحو: من صمت نجا، والدين النصيحة. أي بلغوا عني أحاديثي لو كانت قليلة.
وقيل المراد من الآية الحكم الموحى إليه صلى الله عليه وسلم، وهو أعم من المتلوة وغيرها، بحكم عموم الوحي الجلي والخفي ... اهـ.
والله أعلم.