السؤال
عملت في الخارج عدة سنوات، وكذلك أبي، وكان أبي يأخذ راتبي، وخلال مدة عملي بالخارج اشترى أبي بعض الأملاك، مع العلم أن لي إخوة وأخوات، وطلبت من أبي أن يكتب لي شيئا من أملاكه؛ فرفض، وقال لي :"أنت ومالك لأبيك"، فأنت لم تعطني كما أعطيتك، ويريد أن يقسم أمواله حسب الشرع بعد وفاته، دون أن يعطيني ما يعوضني، مع العلم أنني لم أتزوج إلى الآن، وسيتطلب زواجي فترة عمل أخرى.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فلا شك في عظم حق الأب على الابن، ووجوب بره، لكن ما قام به أبوك -هداه الله- من أخذ راتبك وحرمانك من مالك من غير طيب نفس منك، لا يقره الشرع.
وليس في الحديث الذي استدل به دلالة على جواز تملك الأب مال ابنه دون حق، وحرمانه منه؛ فإن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم: لأبيك. للإباحة، وليس للملك، فيباح للأب أن يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه، وأما المال فهو ملك للابن، وعليه زكاته، قال ابن رسلان في شرحه لسنن أبي داود: اللام للإباحة، لا للتمليك؛ فإن مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه، غير أن الوالد إذا كان فقيرا زمنا، وجب نفقته على ولده. انتهى.
فتصرف الأب في مال ولده مباح بشرطين، قال ابن قدامة في المغني:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده، فيعطيه لآخر. نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد.
وذلك أنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده لآخر، أولى. انتهى.
وقال أيضا: وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده، إلا بقدر حاجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن دماءكم، وأموالكم عليكم حرام... انتهى.
فننصحك -أيها السائل- ببذل النصيحة لأبيك بالتي هي أحسن، وذكر أقوال أهل العلم له في فهم الحديث، وأن تعرض عليه هذه الفتوى وأمثالها، فلعله أن يؤوب ويرجع، ويعطيك حقك الذي حرمك منه، وقد سبق لنا أن أصدرنا فتوى في بيان حكم أخذ الأب من مال ولده، وهي: 6630.
وللفائدة، يرجى مراجعة هذه الفتوى: 1569.
والله أعلم.