السؤال
والداي مطلقان، وكبيران في السن، ومريضان، ولديهما ابن أكبر، وبنتان غير متزوجتين. الابن يعمل مع والده، ويسكن معه، والبنتان تعيشان مع أمهما، وأحيانا تذهب إحداهما للمكوث مع أبيها لأيام، تهتم به قدر المستطاع من مأكل وتنظيف، وعلاج وغيره، ثم ترجع إلى منزل أمها؛ لتهتم بها أيضا، لكن تبقى لدى أمها أكثر من مكوثها مع أبيها.
الأخت الأخرى لا تذهب لزيارة أبيها إلا نادرا، رغم نصحها مرارا وتكرارا.
كلا الوالدين محتاج للرعاية، ولكن البنت تخاف أن تكون مقصرة مع والديها، أو أحدهما بحكم أنها لا تبقى لدى الأب دائما، مع أنها تستخير الله -عز وجل- كلما أرادت الذهاب إلى أبيها أو أمها. والأخ لا يقوم بالرعاية اللازمة لأبيه.
فهل الذنب على الأخ، أو على الأخت عند غيابها عن أبيها خاصة إذا ظلت الأخت الأخرى مصرة على عدم زيارة أبيها، وتقاسم البر معها لوالديهما؟
وما نصيحتكم في هذا الباب.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن بر الوالدين من أفضل القربات، وأجل الطاعات، لا سيما عند كبرهما، وحاجتهما للرعاية والعناية، قال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {الإسراء:23}.
وروى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف. قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما، أو كليهما فلم يدخل الجنة.
ومن البر بهما؛ خدمتهما، والقيام برعايتهما، وهذه الخدمة واجبة إذا احتاجا إليها.
جاء في غذاء الألباب للسفاريني: ومن حقوقهما خدمتهما إذا احتاجا، أو أحدهما إلى خدمة. انتهى.
وهي تجب على جميع الأولاد كل بحسبه.
جاء في فتاوى دار الإفتاء الأردنية: رعاية الوالدين وبرهما، وخاصة عندما يكونان في حاجة إلى ذلك، أمر أوجبه الشرع الحكيم لهما على أبنائهما ذكورا وإناثا، فالواجب على الأبناء أن يقوموا بخدمة والديهم على أتم وجه، وهذا أمر يجب عليهم بالتساوي، وليس على أحدهم دون الآخر، وذلك بالقياس على وجوب الإنفاق.... وهذا يدخل ضمن الإحسان الذي أمر الله -تعالى- به، في قوله: وبالوالدين إحسانا {الإسراء:23}.
قال ابن عاشور في تفسيره: وشمل الإحسان كل ما يصدق فيه هذا الجنس من الأقوال، والأفعال، والبذل، والمواساة. انتهى.
وقد أحسنت بتعاهدك أباك بالزيارة، والقيام على شؤونه، ولا حرج عليك إن تركت أباك على حال لا تخشين عليه فيها الضيعة.
ومن الغريب والقبيح ما ذكرت من أن أخاك لا يقوم بالرعاية اللازمة لأبيه، وأن أختك لا تزوره إلا نادرا، وينبغي بذل النصح لهما بالحسنى والرفق واللين، وحثهما على استغلال هذه الفرصة للقيام بالبر، والعناية، والرعاية بالوالدين على كل تقدير، سواء كانا في حاجة للرعاية أم لا.
فإن تفويت الخير في ذلك قد تكون عاقبته الندم، كما أفاد الحديث الذي سبق ذكره.
والله أعلم.