السؤال
شخص مدين لي بمبلغ من المال بالجنيه المصري، ومدين أيضا لعدة أشخاص آخرين، وكان يسدد الديون للأشخاص الأكثر بطشا، لتجنب شرهم، أما باقي الناس -وأنا منهم-؛ فلا يعيرنا اهتماما، ويماطل في السداد، فقمت بمقاضاته، ولكنه سافر للعمل في إحدي الدول، ويريد أن يتأخر في السداد -قدر الإمكان- إلى حين ارتفاع فارق العملة، ليسهل عليه السداد. وبالطبع هذه تمثل خسارة فادحة لي، لأن من المفترض أنه كان قد سدد الدين منذ سنتين، وكان ذلك هو الاتفاق. أما الآن: فهو يستغل انهيار الجنيه أمام العملات العالمية ليخفف عن نفسه العبء في السداد، وأنا لا أسامحه، ولن أسامحه، ودائما أدعو عليه، فما حكم ذلك؟ وهل يحق له استغلال انخفاض قيمة العملة مقارنة بالقيمة الحقيقية للدين؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا المدين قد حل أجل الدين الذي عليه قادرا على تسديد ما عليه من دين، ولكنه يؤخر السداد ليستفيد من انخفاض قيمة العملة، فهو مماطل ظالم، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: مطل الغني ظلم. متفق عليه.
والمطل هو منع قضاء ما استحق أداؤه، فمن حل موعد سداد دينه، فلم يؤده إلى صاحبه مع قدرته واستطاعته؛ فهو ظالم، مستحق للعقوبة الإلهية.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.
وراجع الفتوى: 324703.
أما إن كان المدين معسرا، لا يملك وفاء دينه، فالواجب شرعا إنظاره، ولا يجوز للدائن ملاحقته.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في الكافي: وإن كان الدين حالا، والغريم معسرا، لم تجز مطالبته، لقول الله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة {البقرة: 280}، ولا يملك حبسه، ولا ملازمته؛ لأنه دين لا يملك المطالبة به، فلم يملك به ذلك. اهـ.
وأما الدعاء على المدين: فلا يجوز، إلا إذا ظلم وماطل، مع قدرته على الوفاء.
وليعلم السائل أن الأصل في الدين أن يقضى بمثله لا بقيمته، ولا يصح ربطه بمستوى الأسعار، أو بمعدل التضخم، وراجع في ذلك الفتويين: 99163، 114210.
ولكن إذا انخفضت قيمة العملة بشكل كبير ومجحف، فقد اختلف أهل العلم في تأثير ذلك على أداء الحقوق المالية، وهل تقضى بمثلها؟ أم تراعى قيمتها؟ والراجح هو اعتبار قيمة العملة إذا حدث غبن فاحش، أو انهيار للعملة، يتحقق به ضرر معتبر على صاحب الحق، وراجع في تفصيل ذلك، وكيفية حسابه الفتوى: 348040.
والله أعلم.