السؤال
كنت أنا وصديقي في المسجد اليوم، فذكر رجل كبير في العمر موقفا حصل معه، فنظرت إلى صديقي، وضحكنا. ولكن لا أظن أن الرجل الكبير انتبه إلينا.
فهل هذا الشيء الذي حصل معي، يعد من الغيبة؟
كنت أنا وصديقي في المسجد اليوم، فذكر رجل كبير في العمر موقفا حصل معه، فنظرت إلى صديقي، وضحكنا. ولكن لا أظن أن الرجل الكبير انتبه إلينا.
فهل هذا الشيء الذي حصل معي، يعد من الغيبة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الفعل محرم إذا وقع منكما بقصد السخرية، أو الاستخفاف بذلك الرجل الكبير السن.
وفيه إيذاء، وهمز، ولمز له، وهو نوع من أنواع الغيبة، وقد قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {الحجرات: 11} .
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم {الحجرات: 12}.
وقال تعالى: والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا {الأحزاب: 58}.
وقال تعالى: ويل لكل همزة لمزة {الهمزة: 1}.
قال الخادمي في بريقة محمودية، في شرح طريقة محمدية، وشريعة نبوية، في سيرة أحمدية: {ويل لكل همزة} الهمزة: من يعيب في الغيب {لمزة} من يعيب في وجهه....
وتحرم السخرية والاستهزاء، وهي تتضمن الاستصغار والاستخفاف، وهي تكون بالقول والفعل بالمحاكاة، وبالإشارات والإيماء ... اهـ بتصرف.
وقال الهيتمي في الزواجر: والسخرية: النظر إلى المسخور منه بعين النقص ...
{ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات: 11]: أي لا يعب بعضكم على بعض، واللمز بالقول وغيره، والهمز بالقول فقط. وروى البيهقي عن ابن جريج أن الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان...
وقوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} [الحجرات: 12] أي لا يتكلم أحد منكم في حق أحد في غيبته بما هو فيه مما يكرهه، وألحق به ما علم مما مر في الآية السابقة في التكلم في حضرته بذلك، بل هو أبلغ في الأذية. قال -صلى الله عليه وسلم-: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته . رواه مسلم...
ولا فرق في الغيبة بين أن تكون في غيبة المغتاب، أو بحضرته على المعتمد ...
وقد يتوهم من حدهم السابق للغيبة أنها تختص باللسان، وليس كذلك؛ لأن علة تحريمها الإيذاء بتفهيم الغير نقصان المغتاب، وهذا موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب ولو بالتعريض، أو الفعل أو الإشارة أو الإيماء، أو الغمز أو الرمز أو الكتابة.
قال النووي: بلا خلاف، وكذا سائر ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة، كما قال الغزالي؛ لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم وأنكى للقلب. اهـ.
والله أعلم.