بيان جواز رؤية آحاد الأمة للملائكة، ورؤية بعض المحتضرين لهم

0 34

السؤال

عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فجعلت أخته تبكي، وتقول: واجبلاه، واكذا، واكذا: تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي آنت كذلك؟ قرأت بأنه لا أحد يرى الملائكة بعد الأنبياء، وفي الحديث الصحيح أن الميت يراهم بعد وفاته، فهل هذا ينطبق على أي أحد يغمى عليه ولم يمت؟ وهل رأى الملائكة؟ أم سمعهم فقط؟ وهل هذا دليل أن الصحابة يسمعون أو يرون الملائكة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ثبت في الحديث، كما في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واجبلاه، واكذا، واكذا! تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: آنت كذلك؟.

 ويستفاد من هذا أن الملائكة تبكت من يقال فيه مثل هذا، ويدل له ما في سنن الترمذي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول: واجبلاه، واسيداه، أو نحو ذلك إلا وكل به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟. والحديث حسنه الألباني.

ولا يبعد رؤية النعمان للملائكة عندما أغمي عليه وناحت عليه أخته، لأن سبب تبكيتهم له هو بكاؤها عليه، وقد كان هذا الإغماء بالمدينة قبل استشهاده بمؤتة - رضي الله عنه - ثم إن رؤية بعض الصحابة للملائكة ثابتة على شكل رجال طبيعيين، فقد رأى عمر، وابن عباس، وعائشة -رضي الله عنهم- جبريل، ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا نرى عليه أثر السفر، ولا نعرفه، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبته، ووضع كفيه على فخذه، ثم قال: يا محمد؛ أخبرني عن الإسلام.... وفي الحديث أنه سأله عن الإيمان، والإحسان، والساعة، وأمارتها، وقد أخبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد أن السائل جبريل جاء يعلم الصحابة دينهم.

 ورأى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- جبريل، وميكائيل في غزوة أحد، كما في صحيح مسلم.

 وبهذا يعلم أنه لا مانع شرعا من حصول الرؤية أحيانا لبعض الملائكة لحكمة أرادها الله، ولكن الأصل فيهم الاستتار عن الناس، فقد جاء في صحيح مسلم: أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى، فقرأ، ثم جالت أيضا، قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال السرج، عرجت في الجو حتى ما أراها، قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير قال: فقرأت، ثم جالت أيضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير قال: فقرأت، ثم جالت أيضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير قال: فانصرفت، وكان يحيى قريبا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج، عرجت في الجو حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة... اهـ

وفي صحيح مسلم: زار رجل أخا له في قرية فأرصد الله له ملكا على مدرجته ، فقال : أين تريد ؟ قال : أخا لي في هذه القرية ، فقال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا ؛ إلا أني أحبه في الله ، قال : فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته.

وجاء في شرح النووي على مسلم: وفيه أن الآدميين قد يرون الملائكة... اهـ.

وقد يرى بعض المحتضرين الملائكة عند الاحتضار، وتبشرهم بالنعيم، أو العذاب، واستدل لذلك بعض أهل العلم بقول الله تعالى: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا {الفرقان: 22}.

قال ابن كثير رحمه الله: أي: هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم، بل يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم، وذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، وغضب الجبار... اهـ.

ونقل القرطبي في التذكرة عن أبي حامد الغزالي قوله: وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي قبل أن يغرغر فعاين الملائكة على حسب حقيقة عمله، فإن كان لسانه منطلقا حدث بوجودهم. اهـ.

وذكر ابن القيم في كتاب الروح: أن الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه، ويشاهدهم عيانا، ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط، إما من الجنة، وإما من النار، ويؤمنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر، وقد يسلمون على المحتضر ويرد عليهم تارة بلفظه، وتارة بإشارته، وتارة بقلبه، حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة، وقد سمع بعض المحتضرين يقول: أهلا وسهلا ومرحبا بهذه الوجوه... ثم ساق بعض الآثار في ذلك.

وأما ما قرأت بأن لا أحد يرى الملائكة بعد الأنبياء، فجوابه: أنا لا نعلم ما يمنع رؤيتهم بعد الأنبياء، ولكن لا يستطيع أحد الجزم أن الذي رآه من الملائكة، لأن ما ذكرناه من رؤية الصحابة ومن قبلهم علم بالوحي أن المرئي من الملائكة، وأما في العصور المتأخرة: فإنه لا يمكن التأكد من كون المرئي ملكا، لعدم وجود ما يصدق ذلك، ولأنه إذا كان أمرهم لم يتبين لإبراهيم ولوط -عليهما السلام- حتى أخبرتهم الملائكة فباقي الناس أولى بعدم التبين، وراجع للمزيد في هذا الفتاوى: 68710، 62515، 67492.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة