السؤال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأعوذ بك من فتنة الفقر ـ وقال: فوالله ما الفقر أخشى عليكم ـ فكيف الجمع بين الحديثين؟
وفقكم الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأعوذ بك من فتنة الفقر ـ وقال: فوالله ما الفقر أخشى عليكم ـ فكيف الجمع بين الحديثين؟
وفقكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم، ومن فتنة القبر، وعذاب القبر، ومن فتنة النار، وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر... متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم.
ولا تعارض بين الحديثين -والحمد لله رب العالمين- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول استعاذ بالله تعالى من فتنة الفقر، وهي ما قد ينتج عنه من الوقوع في الحرام، أو الشبهة دون مبالاة، أو السخط على قضاء الله تعالى، وقلة الصبر، أو مباشرة ما لا يليق بأهل الدين، والمروءة، وأما الحديث الآخر: فيحتمل أن سبب خشيته صلى الله عليه وسلم هو علمه أن الدنيا ستفتح عليهم، ويحصل لهم الغنى بالمال، وذلك من أعلام النبوة، ودلائلها، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع، وفي خشية النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من الغنى دون الفقر إشارة إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى؛ لأن مضرة الفقر دنيوية غالبا، ومضرة الغنى دينية غالبا.
قال الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في كتابه: منة المنعم في شرح صحيح مسلم، في بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما الفقر أخشى عليكم -أي: لست أخشى عليكم أن فقركم يضيع دينكم. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه: فتح الباري شرح صحيح البخاري: هذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم، ويحصل لهم الغنى بالمال، وقد ذكر ذلك في أعلام النبوة مما أخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعه قبل أن يقع فوقع، وقال الطيبي فائدة: تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن الفقر، فإن الوالد المشفق إذا حضره الموت كان اهتمامه بحال ولده في المال، فأعلم صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه وإن كان لهم في الشفقة عليهم كالأب، لكن حاله في أمر المال يخالف حال الوالد، وأنه لا يخشى عليهم الفقر كما يخشاه الوالد، ولكن يخشى عليهم من الغنى الذي هو مطلوب الوالد لولده، والمراد بالفقر العهدي، وهو ما كان عليه الصحابة من قلة الشيء، ويحتمل الجنس، والأول أولى، ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى أن مضرة الفقر دون مضرة الغنى، لأن مضرة الفقر دنيوية غالبا، ومضرة الغنى دينية غالبا. انتهى.
والله أعلم.