السؤال
توفي أبي، ووالدتي لا تعمل، ولا تقوى على العمل لظروفها الصحية، وأنا وأختي لا نجد عملا. فقد جربنا، وكان أفضل عمل وجدناه في شركة، وحركة التوظيف متوقفة في الدولة تماما، ولا واسطة لنا؛ لذا، كنا نعمل في هذه الشركة عن طريق شركة توظيف وسيطة، وهذه الشركة تحسب للموظف راتبه باليوم، وليس بالشهر، ويوم القبض غير ثابت، والشركة تراوغ دائما، وتؤخر القبض، ومع كل هذا فإنهم يحسبون اليوم بـ: 75 جنيها مصريا، وليست لنا إجازات، حتى الإجازات الرسمية فهي بالنسبة لنا غير مدفوعة، وإذا غاب أحد في أي يوم فإنه لا يحسب له، وكان راتبي بعد المكافأة عبارة عن: 525 جنيها فقط، لا غير!! كما أن العمل غير مضمون، وهناك احتمال كبير أن أتركه، كما فعلت أختي، فهو يعتبر بلا أي عائد مادي، ومعاش والدي لا يكفي: فهو: 1600 جنيه، وراتبي والمعاش لن يكفيا لدفع فواتير الكهرباء، والتي تأتي وحدها في كثير من الأحيان فوق الألف، وفواتير المياه والغاز!! ناهيك عن مصاريف الأدوية اللازمة لوالدتي، والتي أقل وصفة لها تكون فوق: 700 جنيه، بالإضافة إلى ما يدفع للأطباء. ولم نذكر أي مصاريف للمأكل، والملبس، والاحتياجات الشخصية، أو حتى مصاريف البنزين. كان والدي -وهو رجل ذو دين- يفكر في وضع مكافأة نهاية خدمته بعد المعاش في البنك، والعيش من فوائدها؛ لأن الأحوال المادية صعبة جدا في بلدي، وقال إننا مضطرون، ولكنه توفي -رحمه الله- وقد سبق أن رفض الاشتراك في المعاش التكميلي في شركته، قائلا إن فيه فائدة ربوية، وهذا حرام، بالرغم من إصرار الشركة على تحليل ذلك، ولكنه ثبت على موقفه، وقد ساءت أحوال بلدي الاقتصادية تماما، وحاليا أخشى كثيرا حرمة الربا، وأخشى ألا أكون بهذا في نظر الشرع مضطرة. ولكن لا دخل لنا، وليس هناك عمل، حتى مدينتي أغلب الوظائف فيها تتطلب رجالا للأمن، والبوفيه، وهكذا، فلا أجد عملا براتب يعينني على الحياة.
فماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل المولى -سبحانه- أن ييسر أمركم، وأن يرزقكم من حيث لا تحتسبون.
وأما ما سألت عنه حول وضع مكافأة نهاية خدمة الأب في البنك للاستفادة من فوائدها: فالجواب عنه أنه إذا كان البنك الذي تريدين وضع مكافاة الخدمة فيه من البنوك الإسلامية الموثوق بها، لتستثمره فيما هو مباح، وتعطيكم نسبة من الأرباح، فهذا لا حرج فيه، وهو غنية عن التعامل بالربا، ووضع ذلك المال ببنك ربوي، ولا ضرورة إلى ذلك مع وجود البدائل المشروعة.
وعليه، فانظروا أحسن البنوك الإسلامية ببلدكم سمعة في الالتزام بالضوابط الشرعية، واستثمروا ذلك المال لديه -إن شئتم- لتنتفعوا بالأرباح التي سيعطيكم إياها، واعلموا أن من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. أخرجه أحمد في المسند.
قال ابن القيم في روضة المحبين: من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه، كما ترك يوسف الصديق -عليه السلام- امرأة العزيز لله، واختار السجن على الفاحشة، فعوضه الله أن مكنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وأتته المرأة صاغرة، سائلة، راغبة في الوصل الحلال، فتزوجها، فلما دخل بها قال: هذا خير مما كنت تريدين.
فتأمل كيف جزاه الله -سبحانه وتعالى- على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء. وأذل له العزيز، وامرأته، وأقرت المرأة، والنسوة ببراءته.
وهذه سنته تعالى في عباده قديما، وحديثا إلى يوم القيامة.
ولما عقر سليمان بن داود -عليهما السلام- الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد. ولما ترك المهاجرون ديارهم لله، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم، أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا، وملكهم شرق الأرض، وغربها، ولو اتقى الله السارق، وترك سرقة المال المعصوم لله، لآتاه الله مثله حلالا، قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ـ فأخبر الله -سبحانه وتعالى- أنه إذا اتقاه بترك أخذ ما لا يحل له، رزقه الله من حيث لا يحتسب. انتهى.
والله أعلم.