السؤال
كانت عندنا خادمة، وقد اتفقت جدتي معها على مبلغ ٣٠٠ كأجر. بعد انتهاء الشهر وجدنا أن الخادمة كانت تقصد ٣٠٠ في اليوم، وجدتي فهمت أنها في الشهر كله. هي دفعت لها ما يقارب نصف المبلغ أي ٩٠٠ فقط، ولا تريد دفع المزيد لأنها لم تتفق معها على هذا.
أريد أن أعرف هل يمكنني أنا الدفع من دون معرفة جدتي؟ وهل سيغفر لها أم لا؟ وهل هي مذنبة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننبه أولا إلى أن الفصل في قضايا المنازعات محله المحاكم الشرعية أو من ينوب منابها، وذلك لأنها الأقدر على السماع من أطراف النزاع وإدراك حقيقة الدعاوى والبينات والدفوع، ثم إصدار الحكم المؤسس على ذلك.
وأما المفتي فإنه لا يسمع إلا من طرف واحد، ولن يكون تصوره للمسألة إلا بحسب ما يتلقاه من المستفتي، ولذلك لا يستطيع إصدار الحكم الدقيق في مثل هذه القضايا، وما سنذكره هنا إنما هو على سبيل العموم والإرشاد والتوجيه.
وعلى كل حال إذا اختلف المستأجر والأجير في مقدار الأجرة، وادعى المستأجر أن الأجرة المتفق عليها أقل مما يدعيه الأجير، وادعى الأجير العكس، ولا بينة لأحدهما. وكان ذلك بعد استيفاء المستأجر المنفعة من الأجير.
فالشافعية والحنابلة على أنهما يتحالفان، فإن حلفا جميعا، كان للأجير مثل أجرة عمله، يقدرها أهل الخبرة والأمانة. وإن امتنع أحدهما عن اليمين، قضي بالحق لصاحبه.
وقال الحنفية: لا يتحالفان، والقول قول المستأجر مع يمينه؛ لأنه المنكر للزيادة، والأصل عدمها.
قال ابن قدامة في كتابه (المغني): إذا اختلفا في قدر الأجر، فقال: آجرتنيها سنة بدينار، قال: بل بدينارين، تحالفا، ويبدأ بيمين الآجر. نص عليه أحمد، وهو قول الشافعي؛ لأن الإجارة نوع من البيع. فإذا تحالفا قبل مضي شيء من المدة فسخا العقد، ورجع كل واحد منهما في ماله، وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر، قر العقد، وإن فسخا العقد بعد المدة أو شيء منها سقط المسمى، ووجب أجر المثل، كما لو اختلفا في المبيع بعد تلفه، وهذا قول الشافعي. وبه قال أبو حنيفة إن لم يكن عمل العمل، وإن كان عمله فالقول قول المستأجر فيما بينه وبين أجر مثله، وقال أبو ثور: القول قول المستأجر؛ لأنه منكر للزيادة في الأجر، والقول قول المنكر. انتهى.
قال الزيلعي -الحنفي- في كتابه (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق): إن اختلفا بعد استيفاء المنافع، لا يتحالفان، وكان القول قول المستأجر مع يمينه. انتهى.
ولا شك أن تبرعك بما تدعيه الخادمة لإنهاء الخصومة، يعد عملا جيدا، ولا يشترط علم جدتك بتبرعك.
والله أعلم.