الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
اعلمي أن الخطاب في الشريعة الإسلامية موجه إلى الجميع الرجال والنساء إلا ما دل دليل على تخصيصه بأحدهما لحكمة، فهذا هو الأصل؛ كما نص عليه أهل العلم، ودل عليه الدليل من نصوص الوحي، كما قال الله تعالى: فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض {آل عمران: 195}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: النساء شقائق الرجال. رواه أبو داود والترمذي.
وبناء عليه؛ فنرجو لمن استيقظت في الليل وقامت تصلي التهجد أن يعطيها الله تعالى هذا الجزاء العظيم، ولا سيما أنه ورد هذا الأجر في بعض الأحاديث غير مقيد بالمتزوجين.
ففي شرح السنة للبغوي: عن أبي سعيد الخدري، يرفع الحديث: ثلاثة يضحك الله إليهم: الرجل إذا قام بالليل يصلي، والقوم إذا صفوا في الصلاة، والقوم إذا صفوا في قتال العدو. اهـ.
وجاء في جامع معمر بن راشد بسند رجاله رجال الصحيح عن أبي ذر، قال: ثلاثة يستنير الله إليهم: رجل قام من الليل وترك فراشه ودفاءه، ثم قام يتوضأ فأحسن الوضوء، ثم قام إلى الصلاة، فيقول الله للملائكة: ما حمل عبدي على هذا أو على ما صنع؟ فيقولون: أنت أعلم، فيقول: أنا أعلم ولكن أخبروني، فيقولون: خوفته شيئا فخافه، ورجيته شيئا فرجاه، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد أمنته مما خاف، وأعطيته ما رجا.
ورجل كان في سرية، فلقي العدو فانهزم أصحابه، وثبت حتى قتل أو فتح الله عليهم، فيقول الله للملائكة: ما حمل عبدي على هذا، أو على ما صنع؟ فيقولون: أنت أعلم به، فيقول: أنا أعلم به، ولكن أخبروني، فيقولون: خوفته شيئا فخافه، ورجيته شيئا فرجاه، قال: فيقول: أشهدكم أني قد أمنته مما خاف، وأعطيته ما رجا.
ورجل أسرى ليلة حتى إذا كان في آخر الليل نزل، فنام أصحابه، فقام هو يصلي، قال: فيقول الله عز وجل للملائكة: ما حمل عبدي على هذا، أو على ما صنع؟ فيقولون: رب أنت أعلم، فيقول: أنا أعلم ولكن أخبروني، قال: فيقولون: خوفته شيئا فخافه، ورجيته شيئا فرجاه، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني أمنته مما خاف، وأعطيته ما رجا. اهـ.
وثبت كذلك ضحك الله عز وجل لرجل وامرأة من أهل الإيثار والإنفاق، كما في صحيح البخاري: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ضحك الله الليلة، أو عجب، من فعالكما فأنزل الله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. اهـ.
وفي رواية ابن حبان والحاكم: لقد عجب الله أو ضحك الله من فلان وفلانة. اهـ.
وجاء في التوحيد لابن خزيمة عن علي بن ربيعة، قال: أردفني علي -رضوان الله عليه- خلفه ثم خرج إلى ظهر الكوفة، ثم رفع رأسه إلى السماء، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاغفر لي، ثم التفت إلي فضحك، فقال: ألا تسألني مم ضحكت؟ قال: قلت مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، ثم خرج بي إلى حرة المدينة ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاغفر لي، ثم التفت إلي فضحك، فقال: ألا تسألني مم ضحكت؟ قال: قلت مم ضحكت يا رسول الله؟ قال: ضحكت من ضحك ربي، وتعجبه من عبده أنه يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيره.
وأما عن القيام والتهجد فإن كنت تصلين ببيتك فالتهجد الذي تصلينه ببيتك في حقك أفضل من الصلاة في الأقصى. فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أفضلية صلاة المرأة ببيتها على الصلاة خلفه في مسجده، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها. رواه أبو داود وغيره.
وفي مسند الإمام أحمد أن أم حميد -امرأة أبي حميد الساعدي- جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي.
فدل هذان الحديثان على أن صلاة المرأة ببيتها خير لها من صلاتها في أي مسجد، سواء كان المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو غيرهما بالأولى.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع علمه صلى الله عليه وسلم بفضل الصلاة في مسجده وخلفه، فدل ذلك على أن صلاة المرأة في سكنها أفضل.
والله أعلم.