السؤال
ما الحكم فيمن يعمل على سيارته الخاصة كأجرة لرفع مستواه المعيشي علما بأن الدولة تمنع ذلك إلا بترخيص؟
ما الحكم فيمن يعمل على سيارته الخاصة كأجرة لرفع مستواه المعيشي علما بأن الدولة تمنع ذلك إلا بترخيص؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فلا حرج على الشخص في أن يعمل على سيارته الخاصة كأجرة لرفع مستواه المعيشي، ولو كانت الدولة تمنع من ذلك إلا بترخيص.
بل لا يجوز للدولة أن تمنع الناس من ذلك لأنه من قطع أرزاق الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض. رواه مسلم.
لكن إذا كان في فعل الدولة هذا مصلحة شرعية معتبرة أو كان في ذلك دفع لمفسدة شرعية معتبرة فلا بأس على الدولة في تنظيم ذلك بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة، ويكون ذلك من باب تقييد الدولة للمباح.
والحاصل أنه لا يجوز لجهة أن تحرم بعض المباح عموما أو أن تعلق فعله على إذنها وترخصيها، وإنما دلت الأدلة الشرعية على أنه يجوز لولي أمر المسلمين الإلزام بفرد من أفراد المباح مؤقتا، أو المنع منه كذلك بشرط أن لا يكون عاما لكل الناس، وأن يكون مخصوصا بحال معينة وفق الضوابط التالية:
أولا: أن يكون فعل المباح مؤديا إلى ضرر أو حرام، فلمن له ولاية منع حصول الضرر أو المحرم، وذلك مثل منع ضعيف البصر من قيادة المركبات في الطرق للضرر الحاصل من ذلك، وهذا يندرج تحت القاعدة الشرعية منع الضرر والإضرار وموضوع الضرر أو المحرم أمر يمكن إدراكه والتحقق من واقعه، وليس أمرا مبهما، ولهذا إذا تدخلت الدولة لمنع ضرر أو محرم يجب منعه شرعا، فإنه يتحتم عليها إثبات الدليل على وجود الضرر أو الحرام حتى يكون عملها وفق الشرع في ذلك.
ثانيا: أن يكون أمر المباح متعلقا بشؤون الدولة الخاصة، كشؤون جيشها وموظفيها، فلها أن تلزم أو تمنع من يتعلق به ذلك من موظفيها وجنودها وعمالها لتحقيق مقصد شرعي، نحو إلزام الموظفين بدوام معلوم، وإلزام الجيش بلباس معين ونحوه، ولقد ثبت مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، حيث منعوا عمالهم من قبول الهدايا وإن كانت الهدايا في أصلها مباحة لهم.
ثالثا: تنظيم المرافق والأمور العامة التي يشترك فيها المسلمون، حيث ثبت بالسنة أن ما كان من مرافق المسلمين فإنهم يشتركون فيه نحو الماء والكلأ والنار والطرق العامة، وما كان من الأموال العامة كالفيء والغنائم فإن تنظيمه متروك للدولة لتحقيق المقصد الشرعي بعدم اختصاص أحد دون أحد فيه، وتحقيق صلاح المسلمين بتوزيعه، ولها عندئذ الإلزام أو المنع من بعض أفراد المباح على الوجه الشرعي.
رابعا: تنفيذ فروض الكفاية المنوطة بالدولة حيث جعل الشرع تنفيذ بعض فروض الكفاية منوطا بالدولة، فلها تنظيمه بالإلزام، نحو الاجتهاد في استنباط الأحكام فليس للدولة عند ذلك التدخل أو منع المجتهدين أو إلزامهم.
فالخلاصة أنه لا يجوز للدولة تحريم المباح أو إيجاب فعله، أو تقييده بإذنها كتشريع عام، وإنما يجوز لها التدخل بالمنع أو الإلزام في بعض أفراد المباح، وفي حالات مخصوصة بهدف تحقيق مقصد شرعي من ذلك وبالضوابط التي سبق بيانها، لأن الإباحة حكم من خالق العباد وربهم، ومتى ثبت بالدليل الشرعي إباحة الفعل فليس لمخلوق المنع أو الإلزام به على وجه العموم والإطلاق.
والله أعلم.