السؤال
كنت متفوقة في الجامعة، وطبقا للقانون فإن الأول على الدفعة يتم تعيينه معيدا في الجامعة. هناك زميلة لي سعت لتأخذ مكاني عن طريق الغش في الامتحانات وعن طريق التوصية عليها من قبل وكيل الكلية، ورغم ذلك حصلت على تقدير أعلى منها، وفي نهاية الأمر تم تعيينها بالواسطة معيدة.
الآن أدعو عليها ألا تتزوج حتى تحرم من شيء كبير مثل ما حرمتني من أن أصبح دكتورة بالجامعة. فهل يجوز ذلك أو لا يجوز؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ثبت أن زميلتك حصلت على الوظيفة بطرق غير مشروعة؛ فقد ارتكبت ما يوجب عظيم الإثم. لكن لا يلزم من ذلك أن تكون ظالمة لك أنت شخصيا؛ ما لم تكن أخذت وظيفة قد خصصت لك أنت وحرمتك منها.
وعلى هذا؛ فلا نرى أن لك الدعاء على هذه الزميلة. وإن كنت -ولا بد- فاعلة، فادعي دعاء عاما على من ظلمك؛ لأنه يجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه بأن ينتقم الله تعالى منه، ولكن لا ينبغي أن يعين كون انتقام الله تعالى من الظالم بأمر معين؛ حتى لا يقع في الاعتداء في الدعاء إذا كان الشيء الذي يسأله غير مكافئ لمظلمته.
قال السيوطي الرحيباني الحنبلي في كتابه (مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى): قال الشيخ تقي الدين: للمظلوم الاستعانة بمخلوق في دفع الظلم عن نفسه، فاستعانته بخالقه أولى من استعانته بالمخلوق! وله الدعاء على ظالمه بقدر ما يوجبه ألم ظلمه.
ولا يجوز له الدعاء على من شتمه أو أخذ ماله بالكفر؛ لأنه فوق ما يوجبه ألم الظلم. ولو كذب ظالم عليه -أي: على إنسان- لم يفتر عليه، بل يدعو الله فيمن يفتري عليه نظيره، وكذا إن أفسد عليه دينه، فلا يفسد هو عليه دينه، بل يدعو الله عليه فيمن يفسد عليه دينه. هذا مقتضى التشبيه، والتورع عنه أولى، قال أحمد: الدعاء قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر. يريد أنه انتصر لنفسه؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام-: من دعا على من ظلمه فقد انتصر. رواه الترمذي عن عائشة. {ولمن صبر} فلم ينتصر {وغفر، إن ذلك} الصبر والتجاوز {لمن عزم الأمور}: معزوماتها بمعنى المطلوب شرعا. انتهى.
وقال الإمام القرافي في كتابه (الفروق): وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم، فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية، فتدعو عليه بأعظم منها، فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى} [سورة البقرة:194]. انتهى.
وقال الإمام ابن مفلح في كتابه (الفروع): إذا كان ذنب الظالم إفساد دين المظلوم؛ لم يكن له أن يفسد دينه، لكن له أن يدعو الله بما يفسد به دينه مثلما فعل به! وكذا لو افترى عليه الكذب؛ لم يكن له أن يفتري عليه الكذب، لكن له أن يدعو الله عليه بمن يفتري عليه الكذب نظير ما افتراه! وإن كان هذا الافتراء محرما؛ لأن الله إذا عاقبه بمن يفعل به ذلك لم يقبح منه، ولا ظلم فيه؛ لأنه اعتدى بمثله، وأما من العبد فقبيح ليس له فعله. انتهى.
ومع جواز الدعاء على الظالم أن ينتقم الله تعالى منه، فإننا ننصحك بأن تفوضي أمرك إلى الله تعالى، فإن الدنيا ليست نهاية المطاف، والعفو عن الظالم من أعظم مقامات الدين، ولا يوفق له إلا الأولياء المصطفون، وعاقبته أن الله تعالى يعفو عنك يوم القيامة، فإن الجزاء من جنس العمل، والله تعالى يعفو عمن يعفو.
ومما ينبغي أن تأخذيه بعين الاعتبار أن ما حرمت منه في الدنيا، ليس بالضرورة أن يكون فيه الخير لك، بل قد يكون وبالا عليك لو حصل، وقد قال الله تعالى: ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا {سورة الإسراء: 11}.
ومقتضى الإيمان بالقضاء والقدر ألا يحزن الإنسان وألا تضطرب أموره إذا فاته شيء من أمور الدنيا. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- مستسلما لما قضاه الله تعالى وقدره، وكان يقول في دعائه: اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، اللهم وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب. رواه الترمذي وحسنه.
ولمزيد من الفائدة انظري الفتاوى: 419995 / 54580 / 54408 / 290962.
والله أعلم.