حكم لبس المرأة اللباس الضيق وما يصف صدرها وبطنها وظهرها أمام النساء

0 13

السؤال

علمت أن عورة المرأة بين النساء من السرة إلى الركبة، وأن الجزء العلوي من البدن ليس بعورة، لكن سمعت أن لبس السروال الضيق لا يجوز بسبب بروز العورة ما بين السرة والركبة.
هل هذا يشمل لبس التيشيرت أو القميص الضيق أمام النساء مع قول إن الصدر والظهر والبطن والباقي ليس بعورة بين النساء؟
وهل هذا يدخل في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما يجوز إبداؤه من البدن يجوز لبس ما يصفه أو يشف عنه، وما لا يجوز إبداؤه لا يجوز من اللباس إلا ما يستره.

وضابط الستر الواجب هو منع إدراك لون البشرة، لا وصف الحجم، فهو مكروه للمرأة، وخلاف الأولى للرجل.

قال النووي في منهاج الطالبين: عورة الرجل ما بين سرته وركبته ... والحرة ما سوى الوجه والكفين. ‌وشرطه ‌ما ‌منع ‌إدراك لون البشرة. اهـ.

قال الدميري في شرحه النجم الوهاج: لو ستر اللون ووصف الحجم، صح على الصحيح، ويكره ذلك للمرأة، وهو خلاف الأولى للرجل. اهـ.

وقال البهوتي في الروض المربع: (فيجب) سترها حتى عن نفسه، وخلوة، وفي ظلمة، وخارج الصلاة، (‌بما ‌لا ‌يصف ‌بشرتها)، أي: لون بشرة العورة من بياض أو سواد؛ لأن الستر إنما يحصل بذلك. ولا يعتبر أن لا يصف حجم العضو؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه. اهـ. 

والثوب الضيق الذي يصف حجم عورة المرأة ومفاتن جسمها لا يحقق الستر المطلوب أمام الرجال الأجانب، بل إنه قد يكون أشد إثارة وفتنة من الثوب الرقيق الذي يصف لون البشرة، ولذلك فسر العلماء بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: كاسيات عاريات.

قال ابن عبد البر في التمهيد: وأما معنى قوله: "‌كاسيات ‌عاريات" فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف، الذي ‌يصف ولا يستر، فهن كاسيات بالاسم، عاريات في الحقيقة. اهـ.

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم: يلبسن ثيابا رقاقا ‌يصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر، عاريات في الحقيقة. اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: قوله: "‌كاسيات ‌عاريات" قد فسر بأن تكتسي ما لا يسترها، فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية، مثل من تكتسي الثوب الرقيق الذي ‌يصف بشرتها؛ أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وساعدها ونحو ذلك. وإنما كسوة المرأة ما يسترها، فلا يبدي جسمها، ولا حجم أعضائها لكونه كثيفا واسعا. اهـ. 

وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات: ومن اللباس ما هو محظور على النساء دون الرجال، وهو الرقيق الذي يصف ..... لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نساء ‌كاسيات ‌عاريات الحديث. يريد كاسيات في الحقيقة، عاريات في المعنى. اهـ.

وقال: بدن الرجل ليس بعورة. فإذا اتزر بإزار ثخين جاز أن يلبس الثوب الرقيق الذي يصف؛ لأن بدنه ليس بعورة، بخلاف المرأة التي هي كلها عورة، فجاء فيها الحديث. اهـ. 

وقد سبق لنا بيان الفرق بين ستر عورة المرأة في الصلاة، وستر عورتها عن نظر الرجال الأجانب. وراجعي في ذلك الفتوى: 342964.

وعلى ذلك؛ فلبس المرأة ما يصف صدرها وبطنها وظهرها ونحو ذلك مما ليس بعورة أمام النساء: لا يحرم لذاته، ولكن قد يحرم لعارض، كوجود شهوة، أو خوف الفتنة.

وهذا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن عورة المرأة عند المرأة المسلمة: ما بين السرة والركبة، كعورة الرجل بالنسبة للرجل سواء. وأنه يجوز النظر إلى ما ليس بعورة مطلقا، إلا عند الشهوة وخوف الفتنة.

قال الكاساني في بدائع الصنائع: كل ما يحل للرجل أن ينظر إليه من الرجل، يحل للمرأة أن تنظر إليه من المرأة، وكل ما لا يحل له، لا يحل لها، فتنظر المرأة من المرأة إلى سائر جسدها إلا ما بين السرة والركبة؛ لأنه ليس في ‌نظر ‌المرأة ‌إلى ‌المرأة خوف ‌الشهوة والوقوع في ‌الفتنة، كما ليس ذلك في نظر الرجل إلى الرجل، حتى لو خافت ذلك تجتنب عن النظر كما في الرجل. اهـ.

وقال الخطيب الشربيني في شرح المنهاج مغني المحتاج: (والمرأة) البالغة حكمها (مع امرأة) مثلها في النظر (كرجل) أي كنظر رجل (ورجل) فيما سبق، فيجوز مع الأمن ما عدا ما بين السرة والركبة، ‌ويحرم ‌مع ‌الشهوة وخوف الفتنة. اهـ.

والمقصود بالشهوة -كما نقله ابن الصلاح في تحرير الفتاوي عن السبكي-: أن يكون النظر لقصد قضاء وطر فيها، بمعنى: أن الشخص يحب النظر إلى ‌الوجه ‌الجميل ويلتذ به. قال: فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال فهو النظر ‌بشهوة، وهو حرام. قال: وليس المراد: أن يشتهي زيادة على ذلك من الوقاع ومقدماته؛ فإن ذلك ليس بشرط، بل زيادة في الفسوق. اهـ.

وانظر للفائدة الفتوى: 161855

ومن أهل العلم من جعل حكم المرأة مع المرأة كحكم الرجل مع محارمه.

قال خليل في شرح مختصر ابن الحاجب التوضيح: وأما حكمها مع النساء فالمشهور أنها كحكم الرجل مع الرجل، وقيل: ‌كحكم ‌الرجل ‌مع ‌ذوات محارمه، وقيل كحكم الرجل مع الأجنبية. اهـ. 

قال الخادمي في بريقة محمودية: تنظر المرأة من المرأة إلى ما ينظر الرجل من الرجل، لكن بشرط أمن ‌الشهوة، فلو كان لها شهوة علما أو ظنا أو شكا فتغض بصرها، قيل: استحبابا. هذا على الأصح، بخلاف ما روي عن أبي حنيفة: ‌نظر ‌المرأة ‌إلى ‌المرأة كنظر الرجل إلى محارمه. اهـ. 

وقد سبق لنا بيان أن أحوط الأقوال وأبعدها عن الريبة وأوفقها لظاهر القرآن: أن عورة المرأة عند المرأة المسلمة هو ما يظهر غالبا، كالذي تظهره المرأة عند محارمها. وراجع في ذلك الفتوى: 115965

وهذا هو ما اختاره ابن القطان في كتابه الجامع: (إحكام النظر في أحكام النظر) حيث ذكر الأقوال الثلاثة ثم قال: والأظهر عندي هو مذهب من يقول: تبدي المرأة للمرأة ما تبديه لذوي محارمها، وهي ممنوعة مما زاد عليه. اهـ. 

ثم علل ذلك فقال: لما تقرر عادة من ولوع بعضهن ببعض، على ما سنبين -إن شاء الله- في باب النظر إليها. اهـ. 

وقال بعد ذلك في باب النظر: وإذا تقرر هذا، وجب أن يراعى في نظر المرأة إلى المرأة، من قصد الالتذاذ وعدمه، وخوف الافتتان وعدمه، ما روعي في نظر الرجل إلى الغلام. اهـ. 

ثم قال: والمعتمد في هذا الباب هو ما قطع به، من أن مقصود الشرع بتحريم النظر وإيجاب غض البصر، هو صيانة النفس عما تثيره دواعي الهوى، الموقع في الفواحش، فيراعى ذلك في الفتوى. اهـ.

وهذا الذي نبه عليه ابن القطان ينبغي الاعتناء به، بأن يراعى في الفتوى الغالب من أحوال الناس، وأن يرد الشخص المعين إلى ما يعلمه من نفسه، وما يظهر له من حال من حوله.

فإذا كثر الفساد واشتد الفجور، حتى كاد الشذوذ أن يغلب أو يروج، تأكد القول بسد الذرائع كلها المؤدية إلى فساد الدين والخلق وانتهاك الأعراض. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة