الصحيح في تفسير الآية ( ومن أعرض عن ذكري..) عمومها في كل معرض عن ذكر الله

0 17

السؤال

قال الله -تعالى-: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).
هل الآية هذه، والآيات التي مثلها تكون على العموم؟ يعني بشكل عام، ولا يلزم -مثلا- أن كل شخص يعرض عن ذكر الله يكون له معيشة ضنكا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم -وفقك الله- أن الصحيح في تفسير الآية عمومها في كل معرض عن ذكر الله -تعالى- وعموم المعيشة الضنك، فكل معرض عن ذكر الله -تعالى- له من المعيشة الضنك بحسب إعراضه. فمن كان إعراضه تاما كانت معيشته الضنك أتم، ومن كان بدون ذلك فله بحسب إعراضه.

والمعيشة الضنك فسرت بعذاب القبر، وصحح ابن القيم أن عذاب القبر واحد من أفرادها وأنها شاملة لدور العبد الثلاث، فإن قال قائل: إننا نرى العصاة والكفار يتنعمون في الدنيا، ولا يجدون أثر هذه المعيشة الضنك، فالجواب ما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الداء والدواء، فقد ذكر من آثار المعاصي: حصول المعيشة الضنك للعاصي، وقرر نحو ما ذكرناه، وأجاب عن هذه الشبهة، وعبارته رحمه الله:

ومنها: المعيشة الضنك في الدنيا، وفي البرزخ، والعذاب في الآخرة، قال -تعالى-: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى} [سورة طه: 124]. وفسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر، ولا ريب أنه من المعيشة الضنك، والآية تتناول ما هو أعم منه، وإن كانت نكرة في سياق الإثبات، فإن عمومها من حيث المعنى، فإنه -سبحانه- رتب المعيشة الضنك على الإعراض عن ذكره، فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب إعراضه، وإن تنعم في الدنيا بأصناف النعم، ففي قلبه من الوحشة والذل والحسرات التي تقطع القلوب، والأماني الباطلة، والعذاب الحاضر ما فيه، وإنما يواريه عنه سكرات الشهوات والعشق، وحب الدنيا والرياسة.

وإن لم ينضم إلى ذلك سكر الخمر، فسكر هذه الأمور أعظم من سكر الخمر، فإنه يفيق صاحبه ويصحو، وسكر الهوى وحب الدنيا لا يصحو صاحبه، إلا إذا كان صاحبه في عسكر الأموات، فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - في دنياه، وفي البرزخ، ويوم معاده، ولا تقر العين، ولا يهدأ القلب، ولا تطمئن النفس، إلا بإلهها ومعبودها الذي هو حق، وكل معبود سواه باطل، فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات.

والله -تعالى- إنما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل صالحا، كما قال -تعالى-: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [سورة النحل: 97]. فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة، والحسنى يوم القيامة، فلهم أطيب الحياتين، فهم أحياء في الدارين. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات