السؤال
صديقي يمتلك شركة تبيع الماكينات، وقد قدم عرضا لصاحب مصنع (غير مسلم) لشراء إحدى الماكينات، ووافق صاحب المصنع على العرض، وأصدر شيكا بنكيا من شركته بقيمة 60% من ثمن الماكينة كدفعة مقدمة. غير أن صديقي طلب زيادة الدفعة إلى 70% من قيمة الماكينة. فرد صاحب المصنع بأن جدول الدفعات قد تم تحديده مسبقا مع البنك، وبالتالي لا يمكنه دفع مبلغ أكبر في الوقت الحالي.
هنا بدأ صديقي يشك في أن الشركة قد تلجأ إلى الاقتراض من البنك (الذي يتعامل بالفائدة الربوية). وعند استفسارنا عن هذه المعاملات، أوضح لنا بعض الاقتصاديين أن هناك شركات تعتمد على ترتيبات مع البنوك، حيث يقوم البنك بشراء المستلزمات التي تحتاجها الشركة من الموردين، ثم تسدد الشركة المبلغ للبنك مع فوائد ربوية.
بعد ذلك، تواصل البنك مع صديقي لترتيب زيارة للتأكد من أن شركته قائمة بالفعل، وليست مجرد شركة وهمية، وأن هناك فعليا ماكينة سيتم تصنيعها وتسليمها. وبالفعل، زار ممثل البنك شركة صديقي، وألقى نظرة على الوضع، ثم غادر.
والسؤال المطروح هو: هل يجوز لصديقي التعامل مع هذه الشركة، علما بأنها ستسدد ثمن الماكينة للبنك بطريقة ربوية؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
ففي السؤال إجمال، لكن خلاصة القول: إنه إذا كانت معاملة القرض الربوي من البنك يتوقف إنجازها على تعاون صديقك مع البنك -كما هو ظاهر السؤال-، فلا يجوز البيع لهم حينئذ، لما في ذلك من إعانتهم على الربا، وكون الشركة ستدفع نسبة من الثمن من حسابها أولا، ثم ترجع على البنك بما دفعت؛ فهذا لا يرفع التحريم، فالإعانة متحققة في هذه الصورة التي افترضناها. وانظر الفتويين: 467743، 231094.
والأدلة على تحريم الإعانة على المعصية كثيرة، قال تعالى: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب {المائدة:2}.
وفي الحديث: لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم.
قال النووي في شرحه: فيه تحريم الإعانة على الباطل. اهـ.
وقال ابن تيمية -كما في مجموع الفتاوى-: إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان، ولهذا لعن النبي -صلى الله عليه وسلم- الخمر وعاصرها ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وشاربها، وآكل ثمنها، وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي، إنما هم يعاونون على شربها. اهـ.
والكافر في ذلك كالمسلم، لا تجوز إعانته على المحرم. جاء في مطالب أولي النهي: ولا يصح بيع ما قصد به الحرام إن علم البائع ذلك -ولو بقرائن- كعنب أو عصيره لمتخذه خمرا، وكذا زبيب ونحوه، ولو كان بيع ذلك لذمي يتخذه خمرا؛ لأنهم مخاطبون بفروع الشريعة. اهـ.
وأما لو كانت معاملة المصنع والبنك على القرض قد تمت، وليست متوقفة على بيع الماكينة له، فلا حرج حينئذ، لانتفاء الإعانة على الحرام حينئذ.
والله أعلم.