السؤال
أنا عمري 36 عاما، متزوجة منذ 12 سنة، ولدي 3 أطفال وحامل. لدي دخل جيد يكفيني ويكفي أطفالي.
أنا شخصية عاطفية جدا، والزواج بالنسبة لي هو مشاعر، حب، أمان، واهتمام. كنت في بيت أبي مكتفية بكل شيء؛ مال، بيت، حب، ومودة.
كانت الحياة بيني وبين زوجي جيدة حتى تزوج من أخرى قبل عامين، وعندما علمت بالأمر، تركت المنزل، لكنني بعد أقل من شهر عدت إليه، لأنني أحب زوجي، وظننت أنه يبادلني نفس المشاعر، وكان هذا السبب الوحيد لعودتي؛ لأني شعرت أنني لا أستطيع الحياة من دونه.
عند عودتي، قال لي: إنني لن أشعر بوجود زوجته الثانية، كما كنت لا أشعر بها قبل أن أعرف بالأمر، لأنها تعيش في بلد آخر، وتأتي إلى بلدنا مرتين في العام لمدة 10 أيام، وأنه خلال فترة سفرها سيتحدث معها يوميا لمدة ساعة، وأن هذا هو الاتفاق بينهما. ولكن هذا لم يحدث، إذ أصبحت المكالمات بينهما ساعة صباحا وساعتين إلى ثلاث ساعات مساء، وبدأت تأتي كل 3 شهور، وخلال إجازة الصيف تقضي شهرا كاملا. وعندما تكون هنا، يقضي الوقت معها بالكامل، ولا يبيت عندي حتى ليوم واحد، رغم أنني أخبرته بحاجتي لذلك.
منذ بداية زواجنا، أخبرته أنني لا أطيق فكرة سفر الزوج للخارج وترك الزوجة، ونحن نعيش حياة جيدة، فليس لدينا فائض من المال، ولكن نوفر احتياجاتنا، وهذا بالنسبة لي يكفي.
قبل شهرين، أخبرني بأنه قرر السفر، وينتظر الفرصة لتحقيق ذلك، وقال: إنه لن يكترث لرأيي، وإن لي حرية الاختيار بين البقاء أو الرحيل. فقررت أنه إذا حدث ذلك، فسيكون هذا هو نقطة الفصل في استمرار هذه الحياة، لأن المشكلة ليست في السفر فقط، فالوضع لم يعد كما كان.
أصبح يقضي معها ساعات على الهاتف يوميا، ولا يقضي هذا الوقت معي، ولا يعرف شيئا عن حياتي أو ما أمر به. لا يعلم عن ظروفي الصحية، ولا يهتم.
تحدثت معه خلال السنتين الماضيتين كثيرا بأن ما يفعله سينهي حياتنا الزوجية، ولكن لا جديد، بل أصبح ما يفعله وكأنه تسهيل للانفصال عني.
تحدثت معه اليوم وقلت له: إنه لم يعد يعطيني أي شيء، لا مشاعر ولا اهتمام، ولا يعرف شيئا عني، بل يكتفي بإعطائي راتبه الشهري.
رد علي بأنه مطالب شرعا فقط بتوفير المسكن والمأكل. فقلت له: إنني أستطيع توفير ذلك لنفسي، لأنني بالفعل أقوم بتوفيره وأساعد في احتياجات المنزل، فقال لي: إنه غير مطالب بشيء آخر.
هل كلامه صحيح شرعا بأن الزوج مطالب فقط بتوفير المأكل والمسكن؟ وهل من حقي رفض العيش معه بعد السفر؟
أنا في حالة من الاكتئاب الشديد."
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج همك، وينفس كربك، ويصلح الحال بينك وبين زوجك، ونوصيك هنا بثلاثة أمور:
أولها: الدعاء، فاستعيني بربك في إصلاح الحال، فهو القائل: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة: 186}.
وثانيها: الصبر، فإنه من أفضل ما تتسلى به النفس في مثل هذه الأمور، ولمعرفة فضائل الصبر راجعي الفتوى: 18103.
وثالثها: كثرة الذكر، فذكر الله -سبحانه- به تهدأ النفس، ويطمئن القلب، فقد قال -عز وجل-: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب {الرعد: 28}.
ثم إن كان زوجك قد قال إن الواجب لك عليه محصور في النفقة، فكلامه غير صحيح، هنالك حقوق أخرى عليه، منها: العدل بينك وبين زوجته الأخرى، إضافة إلى أنه يجب على الزوج أن يطأ زوجته حسب حاجتها وقدرته، ويمكن مطالعة الفتويين: 73149، 56769.
ولم نفهم مقصدك برفض العيش معه، فإن كنت تعنين بذلك طلب الطلاق لأجل سفره، فليس هذا بمجرده مسوغا لطلب الطلاق، ولكن من حقك عليه أن لا يغيب عنك أكثر من ستة أشهر، فإن غاب وطلبت قدومه بعد ذلك فلم يرجع ولم يمنعه من ذلك عذر، فلك حينئذ الحق في طلب الطلاق.
جاء في الإنصاف للمرداوي: وإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر فطلبت قدومه لزمه ذلك إن لم يكن عذر.... فإن أبى شيئا من ذلك ولم يكن له عذر فطلبت الفرقة، فرق بينهما. انتهى.
ويجب على الزوج أن يعدل بين زوجتيه ولو كانتا في بلدين مختلفين، فكون زوجته الثانية في بلد آخر لا يمنعه حقها في أن يقضي لها حقها في المبيت، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 56440.
ويجوز للزوج أن يهاتف زوجته الثانية لتفقد حالها ونحو ذلك، وأما أن يكون الكلام على الحال التي ذكرت، فلا يجوز فيما يظهر، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 214456.
وننبه على أهمية الحوار بين الزوجين في شؤونهما والسعي في حل ما يمكن ان يكون عقبة في طريق استقرار الأسرة، بالحكمة، وللزوجين أن يوسطا العقلاء من أهلهما، ومن أهل الخير والفضل من غيرهم، فعسى الله -تبارك وتعالى- أن يجري الخير على أيديهم، فيكون الصلح والإصلاح، قال تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا {النساء: 35}
وقال أيضا: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا {النساء: 128}.
والله أعلم.