السؤال
الرقية الشرعية بعد اليقين بالله تعالى تشفي من جميع الأمراض -نفسية كانت أو جسدية-، فلماذا لم يشف الرسول صلى الله عليه وسلم من المرض الذي مات فيه بعدما قامت عائشة -رضي الله عنها- برقيته؟
أعلم أن أجله قد حان، ولكن المرض الذي كان يعاني منه الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشف.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الرقية تدخل في سؤال الله تعالى قضاء الحاجات، والله تعالى كريم يستجيب لمن دعاه، كما قال تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين {غافر: 60}.
ولله تعالى الحكمة البالغة في اختيار أي نوع من أنواع الإجابة يختاره لعبده، فإما أن يعطي العبد ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، أو أن يدخر له في الآخرة، كما في حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر. رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.
وفي الحديث: ما من رجل يدعو بدعاء إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم، أو قطيعة رحم، أو يستعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي فما استجاب لي. رواه أحمد، والترمذي.
قال ابن عبد البر في التمهيد: فيه دليل على أنه لا بد من الإجابة على إحدى هذه الأوجه الثلاثة. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح: كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة: فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعوضه. اهـ.
وجاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم": أي: معصية قاصرة (ولا قطيعة رحم): أي: سيئة متعدية (إلا أعطاه الله بها): أي: بتلك الدعوة (إحدى ثلاث): أي: من الخصال (إما أن يعجل له دعوته) أي: بخصوصها، أو من جنسها في الدنيا في وقت أراده، إن قدر وقوعها في الدنيا (وإما أن يدخرها): أي: تلك المطلوبة، أو مثلها، أو أحسن منها، أو ثوابها وبدلها له: أي: للداعي في الآخرة، أي: إن لم يقدر وقوعها في الدنيا (وإما أن يصرف): أي: يدفع (عنه من السوء): أي: البلاء النازل، أو غيره في أمر دينه، أو دنياه، أو بدنه (مثلها): أي: كمية وكيفية، إن لم يقدر له وقوعها في الدنيا.
والحاصل؛ أن ما لم يقدر له فيها أحد الأمرين: إما الثواب المدخر، وإما دفع قدرها من السوء، وفيه زيادة على الحديث السابق: أن ما لم يقدر يدفع عنه من السوء مثله ... اهـ.
والله أعلم.