السؤال
هل كان سيدنا آدم فلاحا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يرد في القرآن الكريم، أو السنة الصريحة الصحيحة - فيما نعلم- أن آدم -عليه السلام- كان فلاحا، لكنه ورد في بعض كتب السنة -وغيرها من كتب التفاسير، والتاريخ- من طرق غير ثابتة، أنه كان حراثا، فقد أخرج الحاكم في المستدرك، عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لرجل جالس عنده، وهو يحدث أصحابه: ادن مني. فقال له الرجل: أبقاك الله، والله ما أحسن أن أسألك كما سأل هؤلاء، فقال: ادن مني؛ فأحدثك عن الأنبياء المذكورين في كتاب الله، أحدثك عن آدم: إنه كان عبدا حراثا، وأحدثك عن نوح: إنه كان عبدا نجارا، وأحدثك عن إدريس: إنه كان عبدا خياطا... الحديث بطوله، والحديث موقوف على ابن عباس، وإسناده فيه عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، عن وهب بن منبه.
قال عنه ابن حبان البستي في المجروحين: يضع الحديث على أبيه، وعلى غيره من الثقات، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه. انتهى.
وقال ابن الجوزي في كتابه: الضعفاء والمتروكون: وعبد المنعم بن إدريس بن سنان يروي عن أبيه، قال أحمد بن حنبل: يكذب على وهب، وقال ابن المديني وأبو داود والنسائي: ليس بثقة، وقال البخاري: عبد المنعم ذاهب الحديث، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به، وقال الدارقطني: هو وأبوه متروكان.
وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: أنه لم يسمع من أبيه، مات أبوه، وهو رضيع. انتهى.
وقال الذهبي في تلخيصه على المستدرك: عبد المنعم بن إدريس كذبه أحمد. انتهى. وقد أورده الألباني في كتابه: غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، وقال: موضوع. اهـ.
ومع أنه لا يوجد نص صريح في القرآن، ولا حديث صحيح في السنة يشير إلى أن آدم -عليه السلام- كان فلاحا أو حراثا، إلا أننا نجد بعض التفاسير، والروايات التاريخية تشير إلى أنه كان يزرع الأرض، ويعمل عليها بعد نزوله إلى الدنيا.
فمن ذلك: ما أخرجه الطبري في تفسيره عند قوله تعالى: فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من ٱلجنة فتشقى [طه: 117]، حيث قال في تفسير الشقاء المذكور في الآية: عن سعيد بن جبير، قال: أهبط إلى آدم ثور أحمر؛ فكان يحرث عليه، ويمسح العرق من جبينه، فهو الذي قال الله تعالى ذكره: (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى)، فكان ذلك شقاؤه. ومثله نقل القرطبي في تفسيره، والألوسي في روح المعاني، وغيرهم.
وقال القرطبي -أيضا- عند تفسير قوله: ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين {الأنبياء: 81}: وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود -عليه السلام- أنه كان يصنع الدروع، وكان أيضا يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، ولقمان خياطا، وطالوت دباغا.
والخلاصة: أنه ليس هناك شيء ثابت صحيح فيه وصف آدم صراحة بأنه كان فلاحا.
ولعل من وصفه بذلك أخذه من مجموع ما سبق بيانه في الآثار، والتفاسير، والروايات التاريخية، وغيرها.
والله أعلم.