قبول التائب من الكسب الحرام زوجا، وأحكام أمواله والإنفاق منها

0 5

السؤال

هناك شخص أعرفه منذ سنوات، ويرغب بالزواج مني، لكن لدي شك في مصدر أمواله، هل هي حلال أم حرام؟ السبب أن طرق كسبه كانت غريبة؛ حيث كان يدخل برامج صوتية، وينتحل شخصيات آخرين ليقوموا بإرسال أهداف (تارجيت) له، ثم يبيعها مقابل المال، وأحيانا كان يأخذ حسابات أشخاص، ويستولي على ما جمعوه من أهداف ليبيعها لنفسه، ويحصل على المال منها.
أنا أرى أن هذا حرام، ولكنه جمع مبلغا كبيرا واشترى به شقتين، وهما الآن مصدر دخله من خلال تأجيرهما.
أما مصدر دخله الحلال، فهو صغير، وغير مستقر، وقد يتركه في أي وقت. كما أنه لا يمتلك مهارات تؤهله للعمل في وظيفة توفر له دخلا يساعده على فتح بيت في هذه المرحلة.
حاليا، هو قرر التوبة، ويريد الابتعاد عن هذا الطريق، ويسأل عن حكم المال الذي جمعه بهذه الطريقة، وحكم الشقق التي اشتراها من هذا المال، والتي أصبحت مصدر دخله.
وهل يصح الزواج من شخص كهذا، مع العلم أنني رفضت في البداية بسبب الشبهة في المال، لكنه متمسك بي، ويريد التوبة وإصلاح ما فات؟ وإذا وافقت عليه بعد توبته، فما مصير هذا المال؟ وهل ستبارك حياتنا إذا اعتمدنا عليه، علما أنه لا يملك مصدر دخل آخر غير الإيجارات؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن كان كسبه حراما؛ فلا ينبغي للمرأة قبوله زوجا، قال اللخمي -رحمه الله- في التبصرة: يؤمر الأب في الزوج بأربع: أن يكون كفؤا في دينه، وحاله، وحسبه، سالما من العيوب التي يجتنبها النساء.

فأما الدين؛ فإن ‌كان ‌كسبه ‌حراما، أو كثير الأيمان بالطلاق، لم يكن له أن يزوجها منه. انتهى.

وقال ابن رشد -رحمه الله- في بداية المجتهد: ولم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق، أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك، فيفرق بينهما. وكذلك إن زوجها ‌ممن ‌ماله ‌حرام. انتهى.

لكن إذا تاب الرجل من كسب الحرام توبة صادقة؛ فلا حرج في قبوله زوجا؛ فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وراجعي الفتوى: 422083.

وأما الأموال التي اكتسبها هذا الرجل، فلم يتبين لنا من السؤال حقيقة حكمها، والصواب في هذه الحال أن يعرض سؤاله على من تمكنه مشافهته من أهل العلم، ليتبينوا منه حقيقة هذا الكسب، هل فيه حقوق للغير يجب ردها؟ أم هي أموال أخذها برضا الدافع بعقد محرم -كالربا والقمار- فعليه أن يتخلص منها بصرفها في أبواب البر والمصالح العامة، وإذا كان فقيرا؛ فله أن يأخذ منها قدر حاجته، وتكون حلالا له.

جاء في المجموع للنووي -رحمه الله-: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام، وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين، وجب صرفه إليه، أو إلى وكيله، فإن كان ميتا؛ وجب دفعه إلى وارثه، وإن كان لمالك لا يعرفه، ويئس من معرفته؛ فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة -كالقناطر، والربط، والمساجد، ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك المسلمون فيه- وإلا فيتصدق به على فقير أو فقراء ... وإذا دفعه إلى الفقير لا يكون ‌حراما ‌على ‌الفقير، بل يكون حلالا طيبا، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا؛ لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ منه قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير. انتهى مختصرا.

أما الشقق التي اشتراها بهذه الأموال التي اكتسبها من المعاملات المحرمة، فقد تملكها، وله الانتفاع بها وبأجرتها. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة