السؤال
كيف نجمع بين حديث "الروم أكثر الناس" وحديث "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار"؟ فهل سيكون الروم أكثر الناس مع انتشار الإسلام ودخوله كل بيت في آخر الزمان؟
كيف نجمع بين حديث "الروم أكثر الناس" وحديث "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار"؟ فهل سيكون الروم أكثر الناس مع انتشار الإسلام ودخوله كل بيت في آخر الزمان؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حديث: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر. قال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح. اهـ. وصححه الألباني، ومحققو المسند.
فإنه يدل على انتشار الإسلام وظهوره في الأرض كلها، ولكن ليس فيه أن المسلمين سيكونون أكثر عددا من غيرهم عند قيام الساعة خصوصا.
وأما حديث المستورد القرشي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقوم الساعة والروم أكثر الناس، فقال له عمرو بن العاص: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لئن قلت ذاك، إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك.
ففيه النص على أن الروم عند قيام الساعة سيكونون أكثر عددا من غيرهم، على خلاف بين أهل العلم في توجيه هذا الحديث، فمنهم من فسر الروم بالنصارى، ونص على أكثريتهم في العدد.
قال أبو العباس القرطبي في المفهم: وهذا الحديث قد صدقه الوجود، فإنهم اليوم أكثر من في العالم غير يأجوج ومأجوج؛ إذ قد عمروا من الشام إلى أقصى منقطع أرض الأندلس، وقد اتسع دين النصارى اتساعا عظيما لم تتسعه أمة من الأمم، وكل ذلك بقضاء الله تعالى وقدره. اهـ.
وقال صديق حسن خان في السراج الوهاج: لم يشرح النووي هذا الحديث، ولم يبين المراد من الروم. والظاهر: أن المراد بهم: النصارى، وهذه الخصال الخمسة موجودة فيهم، وهم ولاة الأمر اليوم في أكثر الأرض، وهذا معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث وقع ما أخبر به مطابقا لنفس الأمر، ولله الأمر من قبل ومن بعد. اهـ.
ومنهم من حمل ذلك على أن الساعة تقوم على أهل الكفر، وأكثرهم من الروم. قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: (والروم أكثر الناس)، ومن عداهم من العرب وغيرهم بالنسبة إليهم قليل. اهـ.
وذكر ذلك في فيض القدير، وزاد: وثبت في الصحيح أنه لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة، لكن يكون الروم، وهم قوم معروفون، وهم أكثر الكفرة ذلك الوقت. اهـ.
وقال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير: (تقوم الساعة والروم أكثر الناس)؛ لأنها لا تقوم إلا على شرار الخلق، وأكثر الروم فيها فرق الكفر. اهـ. وانظر للفائدة الفتويين: 68400، 305737.
والمقصود -على أية حال- أن أكثرية الروم عند قيام الساعة لا تتعارض مع ظهور الإسلام وانتشاره في كل بقاع الأرض.
والله أعلم.