مذاهب العلماء في التحلل من المظالم المعنوية

0 1

السؤال

هل يجوز لمن اغتبته أو أسأت إليه بالكلام أن أدعو له وأستغفر عنه، دون أن أذهب إليه وأطلب السماح منه، سواء كنت قادرا على ذلك أم لا؟
لقد قرأت فتاوى لعلماء كبار، مثل ابن تيمية والحسن البصري، تجيز ذلك، ولكنني قرأت حديثا يقول: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم. فالحديث يذكر "من عرضه"، وليس فقط حقوق العباد المادية.
إذن، لماذا أفتوا بذلك؟ علما بأن هناك رواية أخرى للحديث لا تذكر "من عرضه"، لكن هذه الرواية صحيحة.
فهل يجوز لي الأخذ بقولهم، مع أنني أرى أنه يعارض قول النبي ﷺ، أم إن لديهم دليلا أقوى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على التحلل من المظلوم في الدنيا، فقال: من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.

وقد اختلف أهل العلم في التحلل ممن اغتيب، فأوجبه جمع منهم، ورأى بعضهم الاكتفاء بالاستغفار له عن التحلل منه، وفرق بعضهم بين من علم بالغيبة، ومن لم يعلم بها، فأوجبوا التحلل من الأول، ولم يوجبوا التحلل من الثاني، وهذا القول الوسط اختاره شيخ الإسلام، ولعلهم قيدوا حديث البخاري بحديث: كفارة من اغتبته أن تستغفر له.

وما أشبهه من الآثار التي وردت في هذا الشأن، وهي لا تخلو من ضعف، كما ذكر العجلوني في كشف الخفاء.

ومثله ابن حجر في بلوغ المرام، وتابعه الصنعاني في سبل السلام فقال فيه: أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده، والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما بألفاظ مختلفة من حديث أنس، وفي أسانيدهما ضعف. ثم قال الصنعاني في بيان تقييد حديث البخاري بهذا الحديث: وفي الحديث دليل على أن الاستغفار من المغتاب لمن اغتابه، يكفي، ولا يحتاج إلى الاعتذار منه.
وفصلت الهادوية والشافعية فقالوا: إذا علم المغتاب وجب الاستحلال منه، وأما إذا لم يعلم فلا، ولا يستحب أيضا؛ لأنه يجلب الوحشة وإيغار الصدر، إلا أنه أخرج البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعا {من كانت عنده مظلمة لأخيه في عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون له دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه} وهو دال على أنه يجب الاستحلال، وإن لم يكن قد علم، إلا أنه يحمل على من قد بلغه، ويكون حديث أنس فيمن لم يعلم، ويقيد به إطلاق حديث البخاري. اهـ.

وقال ابن القيم في الوابل الصيب: يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته، تقول: اللهم اغفر لنا وله ذكره البيهقي في الدعوات الكبير، وقال: في إسناده ضعف.
وهذه المسألة فيها قولان للعلماء -هما روايتان عن الإمام أحمد- وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب، أم لا بد من إعلامه وتحليله؟ والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار، وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها. وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. اهـ.  وراجع الفتويين: 127572، 18180.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة