الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحمد لله أن هداك للإسلام، ونسأل الله أن يشرح صدرك وأن يثبتك وأن يعينك على طاعته، واعلم أن أباك ما دام قد مات على نصرانيته، ولم يدخل في الإسلام فهو من أهل النار، والعياذ بالله، قال الله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [آل عمران:85]، وروى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.
وأما الختان فهو من سنة الأنبياء، ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين بالقدوم. واستمر الختان بعد إبراهيم في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فإنه اختتن، والنصارى تقر بذلك ولا تجحده.
والختان من الشرائع التي أمرت بها التوراة، فقد جاء في سفر التكوين: "هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم، وبين نسلك من بعدك، يختن كل ذكر"، وهو مأمور به أيضا في الإنجيل إلا أنه حرف في جملة ما حرفه القساوسة، فقد ورد ذكر الختان في إنجيل برنابا: "أجاب يسوع: الحق أقول لكم إن الكلب أفضل من رجل غير مختون".
ولا خلاف بين العلماء المسلمين في مشروعية الختان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط. إلا أنهم اختلفوا في حكمه هل هو واجب يأثم تاركه؟ أو هو سنة يؤجر فاعله، ويسلم فاعله من العقوبة؟ ولمعرفة أقوال أهل العلم في هذا راجع الفتوى رقم: 4487.
وعلى كل؛ فالذي ننصح به هو أن تقوم بفعله شريطة ألا يكون في ذلك ضرر عليك، قال ابن قدامة، وهو من علماء المسلمين الكبار: وإن أسلم الرجل فخاف على نفسه من الختان سقط عنه لأن الغسل والوضوء وغيرهما يسقط إذا خاف على نفسه منه فهذا أولى، وإن أمن على نفسه لزمه فعله.
والظاهر أن الختان إذا قام به طبيب حاذق لا يترتب عليه ألم عظيم أو ضرر، بل يحقق جملة من الفوائد الطبية العظيمة، وهذا ما جعل الأطباء في أمريكا ينادون بضرورة إجراء الختان روتينيا عند كل مولود، فقد كتب البروفسور Wisewell وهو رئيس قسم أمراض الوليدين في المستشفى العسكري بواشنطن مقالا في مجلة American Family Physicion في عدد آذار (مارس) 1990 جاء فيه: لقد كنت في عام 1975 من أشد أعداء الختان، وقد شاركت في الجهود التي بذلت حينئذ للإقلال من نسبة الختان، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات العلمية ازديادا في نسبة التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين، ومع ذلك فلم أكن أقترح آنئذ جعل الختان روتينيا، ولكن وبعد تمحيص دقيق وإجراء دراسة موضوعية للأبحاث والدراسات التي نشرت في المجلات الطبية عن الختان، فقد وصلت إلى نتيجة مخالفة وأصبحت من أنصار جعل الختان أمرا روتينيا يجرى عند كل طفل.
ومن الفوائد الطبية الثابتة للختان: أنه قد ثبت علميا بأن المفرزات البيضاء التي تتجمع بين القلفة والحشفة تسبب التهابا مستمرا لجلد القضيب وفي عنق الرحم عند المرأة بعد أن تصبح زوجا لمن لم يختتن، ينجم عن هذا الالتهاب أمراض في القضيب وفي عنق الرحم عند الزوجة كالسرطان، لذا فإن نسبة سرطان عنق الرحم بين نساء المسلمين منخفضة جدا إذا ما قورنت بنسبتها بين الغربيين وغيرهم، أما سرطان القضيب فإنه من النادر جدا بين المسلمين، نشرت المجلة الطبية البريطانية B.M.J عام 1987 مقالا عن هذا المرض جاء فيه: إن سرطان القضيب نادر جدا عند اليهود، وفي البلدان الإسلامية حيث يجري الختان.
وسرطان القضيب مشكلة هامة في عدد من بلدان العالم فهو يشكل 12-22% من كل سرطانات الرجل في الصين وأوغندا وبوتوريكو، وأيضا من الفوائد الطبية الثابتة للختان إن بقاء القلفة يسبب إنتانات والتهابات متكررة للقلفة والحشفة، مما قد يؤدي تضييق هذه المنطقة، وكذلك تضيق فوهة الإحليل فيشكو الذكر من آلام وصعوبات أثناء التبول، وعملية الختان تحمي الذكر من هذه الإصابات والمضاعفات التي تنجم عنها كاحتباس البول واحتقان المثانة والحالبين والكليتين والتهابهما أو غير ذلك من المضاعفات، والفوائد الطبية للختان كثيرة، لا يمكن أن نستوعبها في هذه الفتوى، وإذا أحببت الاطلاع على المزيد فننصح بالاطلاع على كتاب "أسرار الختان تتجلى في الطب الحديث" للدكتور. حسان شمسي باشا.
والنصيحة التي نتوجه بها إلى هذا الرجل، الذي نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء على دعوته لك إلى الإسلام، وتربيته لك مع أبنائه، ألا يصر على ختانك، بل يترك هذا الأمر إليك، فإن مذهب جماعة كبيرة من أهل العلم، أن الختان سنة وليس بواجب، وإن كان الراجح عندنا هو وجوبه على الذكر.
وعلى كل؛ فليس من شرط صحة الإسلام، ومهما بلغ من تأكيد الطلب فإنه إذا ترتب عليه ضرر محقق أو مشقة محرجة سقط الطلب به، وما عليه إلا أن يعرض عليك الأمر ويذكر لك أهميته فإن استجبت وهذا ما نتمناه ونتوقعه منك فالحمد لله، وإن امتنعت فليعلم أن وجوب تغيير المنكر يسقط إذا أدى إلى ارتكاب منكرا أعظم منه، كما ننصحه بالرفق في طلبه هذا والحكمة فيه وعدم الاستعجال حتى تطمئن وتعلم فائدة الختان وأهميته وأن ما تخشاه من ألمه ليس ما تظن، وهو مغمور في طيات ما فيه من مصالح.
والله أعلم.