السؤال
لدي وديعة من المال في بنك إسلامي، والحمد لله، أخرج زكاة المال شهريا. والآن، سأحال إلى التقاعد بعد شهر، ولدي خمسة من الأبناء: أربعة أبناء وبنت.
لقد ترعرعت في أسرتي معتمدا على نفسي منذ سن الثانية عشرة، وقد زوجني والدي ولم أعترض، حتى على الإقامة في غرفة مشتركة ضمن شقة مع أخي المتزوج. وقد عودت أولادي على الاعتماد على أنفسهم، والحمد لله، اثنان منهم تزوجا ويسكنان في شقة صغيرة مستقلة داخل بيت العائلة، وكذلك البنت.
أما أحد أبنائي، الذي لم يتزوج بعد، فهو ناقم على كل شيء، لا يرضى عن وضعه، ويستهجن فكرة السكن في الشقة الصغيرة في بيتنا، كما فعل إخوته، لأنها -بحسب رأيه- لا تليق بطموحات من سيرتبط بها. حاولت معه بكل الطرق، لكنه لا يستمع، ولا يصغي إلا لهواه، وقد أخبرني بنيته استئجار شقة خارجية، فأعنته بجزء من المال لمساعدته على بدء حياته، رغم أن ذلك يخالف مبدئي الذي غرسته في أبنائي: أن من يرفض الاعتماد على ما هو متاح، فعليه أن يعتمد على نفسه كليا. ومع ذلك، أراه مسرفا في شراء الأشياء، وأشعر أنه حتى إن أعطيته المزيد، فلن يكتفي.
أما الوديعة التي ادخرتها، فقد جمعتها من كدي وعرقي، لأعتمد عليها بعد التقاعد، حين يصبح المعاش قليلا. وهذه الوديعة، في نظري، حق للأسرة كلها، ولا يجوز أن أنفقها كلها على أحد الأبناء دون الآخرين، وإلا ظلمتهم.
أبنائي الذين تزوجوا قد اعتادوا الاعتماد على أنفسهم، أما من يعتاد الاتكاء على والديه في شبابه، فلا يعتمد عليه في كبرهم. فما الطريقة المثلى للتعامل مع ابني هذا، الذي يصر على أن أتكفل بكل احتياجاته كما يفعل بعض الآباء؟ وهل يحق لي شرعا ألا أعطيه أغلب الوديعة، حفاظا على حقوق باقي إخوته؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنصيحتنا لك؛ أن تدعو الله بصلاح ولدك؛ فإن دعوة الوالد لولده مستجابة -بإذن الله- وأن تداوم على نصحه بأن يجتهد في الكسب الحلال ليأكل من عمل يده، قال الله -سبحانه وتعالى-: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور {الملك: 15}.
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها، وأرجائها في أنواع المكاسب، والتجارات. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله، فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلا، فيسأله أعطاه، أو منعه.
قال العيني -رحمه الله- في عمدة القاري: وفيه: التحريض على الأكل من عمل يده، والاكتساب من المباحات. انتهى.
وفي صحيح البخاري عن المقدام -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده.
وفي المعجم الكبير للطبراني عن كعب بن عجرة قال: مر على النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل، فرأى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جلده، ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله: لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء، ومفاخرة، فهو في سبيل الشيطان.
وانصحه أن يقتصد في معيشته ويحذر من الإسراف والمخيلة، قال تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين [الأعراف: 31].
وجاء في صحيح البخاري: باب قول الله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده [الأعراف: 32] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة وقال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك اثنتان: سرف، أو مخيلة.
ولا يجب عليك أن تعطيه ما يريد من الأموال، فنفقته ليست واجبة عليك ما دام بالغا قادرا على الكسب، فأحرى ألا يجب عليك أن تعطيه هبة، بل المفتى به عندنا؛ أنه لا يجوز لك أن تعطيه لزواجه فوق حاجته بالمعروف كما أعطيت إخوانه عند زواجهم، وراجع الفتويين: 6242، 180001.
وننبه على أن الزكاة إنما تجب عند كل حول هجري إذا كان المال بالغا نصابا، وحال عليه الحول.
والله أعلم.