السؤال
بارك الله فيكم، وأجزل لكم الخير والمثوبة، طلبت طبيبة أنجليزية مسلمة أن أسأل هذا السؤال: هي وصلت لدرجة متقدمة في مجال تخصصها في (النسائية والتوليد) ولا تقوم إلا بتوليد الحالات الحرجة ... تركت العمل منذ فترة لتتفرغ لتربية أبنائها لكن تخصصها مهم جدا ودائما تتلقى عروضا للعمل، عندما تدخل غرفة العمليات لا بد أن يكون هناك رجال ولباس العمليات يكون بأكمام قصيرة، بالنسبة لغطاء الرأس فهي تستطيع التحكم به ولكن قصر الأكمام لا تستطيعه لأنه إجباري وأيضا تحتاج لغسل يديها أحيانا للكوع للتعقيم ويكون ذلك أمام الرجال كما قلت، السؤال: ما حكم عملها في مثل هذا الجو، السؤال الثاني: ما حكم عملها أصلا إذا استطاعت تغطية يديها بوجود رجال أطباء وهي تقول إنه لا يوجد وقت للحديث في أمور خاصة وإنما الحديث دائما في أمور طبية، سألت أحد المشايخ الذي أفتى لها بجواز العمل بدليل أن أم عمارة أو نسيبة المازنية كانت تضمد جراح الجرحى المسلمين الذكور في المعارك، ما رأيكم جزاكم الله خيرا مدعما بالأدلة فهي لا تقبل الجواب إلا بالدليل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فعمل المرأة طبيبة جائز في ذاته بل قد يكون مستحبا أو واجبا كأن تحتاج إليه أو يحتاج المجتمع إليه، ولو لم يكن بها حاجة إلى العمل، ولكن المجتمع بحاجة إلى عملها كطبيبة نساء مثلا، ففي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله قال: لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رجل يا رسول الله أرقي، قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل.
جاء في الموسوعة الفقهية: .... أما التطبيب مزاولة فالأصل فيه الإباحة، وقد يصير مندوبا إذا اقترن بنية التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في توجيهه لتطبيب الناس، أو نوى نفع المسلمين لدخوله في مثل قوله تعالى: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. وحديث: من استطاع منكم.... المتقدم، إلا إذا تعين شخص لعدم وجود غيره أو تعاقد فتكون مزاولته واجبة. انتهى.
والمرأة إذا كانت تداوي المرأة فالأمر فيه واضح، أما إذا كانت مداواتها للرجال فيشترط لجواز ذلك وجود ضرورة أو حاجة كأن لم يوجد رجل طبيب وتطلب الأمر معالجة المرأة له، وما فعلته النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من معالجة الجرحى من هذا الباب.
قال الإمام الشوكاني عند ذكر حديث أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحى. رواه مسلم. قال: فيه دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة.... إلى أن قال: وهكذا حال المرأة من رد القتلى والجرحى، فلا تباشر بالمس مع إمكان ما هو دونه. انتهى.
فالمقصود أنها إن اضطرت إلى معالجة الرجال تقدر الضرورة بقدرها فلا تمس من بدنه إلا ما لا بد منه كما لا تنظر من عورته إلا موضع العلاج.
وتلخص مما تقدم إلى أنه يجوز -وقد يستحب أو يجب- للمرأة معالجة مثلها، وإذا حضر العلاج رجال أجانب فعليها ستر ما يجب ستره من بدنها، فإن اضطرت إلى كشف شيء من ذراعها لضرورة العلاج فلا حرج.
جاء في المغني لابن قدامة: فصل: في من يباح له النظر من الأجانب، ويباح للطبيب النظر إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنها... وللشاهد النظر إلى وجه المشهود عليها... وإن عامل امرأة في بيع أو إجارة فله النظر إلى وجهها ليعلمها بعينها فيرجع عليها بالدرك، وقد روي عن أحمد كراهة ذلك في حق الشابة دون العجوز، ولعله كرهه لمن يخاف الفتنة أو يستغني عن المعاملة فأما مع الحاجة وعدم الشهوة فلا بأس. انتهى بتصرف.
فإذا كان يجوز النظر إلى وجه المرأة عند البيع والشراء للحاجة إلى ذلك، فلأن يجوز النظر إلى اليد في المعالجة والعمليات الطبية من باب أولى.
والله أعلم.