الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن معنى قول الله تعالى: إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش {يونس:3} هو إن سيدكم ومصلح أموركم هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء، الذي خلق السماوات. هي كأيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة، وهو قول مجاهد. وقال غيره: هي من أيام الآخرة اليوم ألف سنة.
قال سعيد بن جبير: كان الله تعالى قادرا على خلق السماوات والأرض في لمحة ولحظة فخلقهن في ستة أيام تعليما لخلقه التثبت والتأني.
ثم استوى على العرش. قال الطبري: علا، وهو قول مجاهد. وقال أبو العالية: ارتفع. وروى ابن عبد البر في التمهيد عن مالك: أن الله في السماء وعلمه في كل مكان. قال الأوزاعي: كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى فوق عرشه.
قال الخليل بن أحمد وابن الأعرابي، وسيبويه ـ وهم أئمة اللغة ـ استوى بمعنى علا، قالوا: ولا يجوز استوى بمعنى استولى إلا فيما كان منازعا مغالبا، فإن غلب أحدهما صاحبه قيل استولى، والله لم ينازعه أحد في عرشه، وقال الخليل: هذا ما لا تعرفه العرب ولا هو جائز في لغتها.
وقال الأشعري (في الإبانة): معنى (استوى) اعتلى، كما تقول: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن ومالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
وأجمع أهل السنة أن الله فوق جميع مخلوقاته مستو على عرشه في سمائه، عاليا على خلقه، بائنا منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم ولا تخفى عليه خافية، واستدلوا بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، كقوله تعالى: وهو العلي العظيم {البقرة: 255}، وقوله: سبح اسم ربك الأعلى {الأعلى:1}، وقوله: الكبير المتعال {الرعد: 9}، وقوله: وهو القاهر فوق عباده {الأنعام: 18}، وقوله: يخافون ربهم من فوقهم {النحل: 50}، وقوله: أأمنتم من في السماء {الملك: 16}.
وأما السنة؛ فالأحاديث متواترة منها حديث: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء. متفق عليه، وحديث: ينزل ربنا إلى السماء الدنيا. متفق عليه. وحديث: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: أعتقها، فإنها مؤمنة. رواه مسلم. وقوله تعالى: يدبر الأمر. قال مجاهد: يقضيه وحده. وقال ابن عباس: لا يشركه في تدبيره أحد.
ما من شفيع إلا من بعد إذنه، قال الطبري: لا يشفع عنده شافع يوم القيامة في أحد إلا من بعد أن يأذن في الشفاعة. اهـ.
وهو رد على الكفار في قولهم فيما عبدوه من دون الله: هؤلاء شفعاؤنا عند الله. ذلكم الله ربكم فاعبدوه هذا الذي هذه صفته سيدكم ومولاكم فأخلصوا له وحده العبادة، والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. أفلا تتذكرون أفلا تتعظون وتعتبرون.
أما آية هود، وهي قوله تعالى: وكان عرشه على الماء {هود: 7} فقد روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السماوات والأرض.
وعن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق عرشه على الماء. رواه الترمذي وحسنه. قال أبو عبيد: العماء في كلام العرب السحاب.
وسئل ابن عباس على أي شيء كان الماء؟ قال: على متن الريح.
وقوله تعالى: ليبلوكم أيكم أحسن عملا ليختبركم أيكم أحسن طاعة له. والعمل الصالح هو ما كان موافقا للسنة مخلصا لله كما قال الفضيل بن عياض.
هذا ولتعلم -وفقنا الله وإياك- إلى أن مذهب أهل السنة هو إثبات ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بذلك على ظاهره من غير تحريف ولا تأويل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل.
والله أعلم.