العفو عن الظالمين من أعلى المقامات

0 501

السؤال

ماذا أفعل عندما أظلم، أأعفوا، أأدعو دعاء المظلوم، أم لا أفعل شيئا، يقول الله تعالى:{وما أصابك من سيئة فمن نفسك}، وما أفهمه من هذه الآية أنه إن وقع علي ظلم من قبل شخص أخر فهو بسبب ما قدمت يداي، فكيف يكون هذا مع دعاء المظلوم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الأفضل لمن وقع عليه الظلم والأذى والإهانة من الناس أن يعفو ويصفح، لينال أجر المتقين الصابرين العافين عن الناس، ويفوز بمعية الله وعونه، كما قال تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين {آل عمران:133}، وقال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى:40}، وقال: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم {النــور:22}، وقال تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى:43}، وقال تعالى: ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126}، وقال تعالى: واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا {المزمل:10}، وقال تعالى: وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم {التغابن:14}، وقال الله تعالى: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت:34-35}.

وفي صحيح مسلم أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك. وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.

وفي سنن الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المسلم إذا كان مخالطا للناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم. وصححه الألباني.

وفي سنن ابن ماجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كظم غيظه وهو يقدر على أن ينتصر دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره في حور العين أيتهن شاء. وحسنه الألباني.

ويشرع له أيضا الإمساك عن العفو والصفح ليلقي المذنب ربه بما اقترف من الإثم، لكن -كما قال بعض السلف- ما يفيدك أن يعذب الله أحدا لأجلك؟ مع ما يفوتك من أجر العفو، لو عفوت، ويشرع له أيضا الدعاء على الظالم ويدل لذلك ما أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد... يدعو لرجال فيسميهم فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم أشدد وطأتك على مضر وأجعلها عليهم كسنين يوسف.

ويدل له أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب عز وجل: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. أخرجه الترمذي وابن حبان في صحيحه.

ويشرع له أيضا المقاصة، ومقابلة السيئة بمثلها دون تجاوز، لقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين {الشورى:40}، وقوله تعالى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما* إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا {النساء:148-149}، وقوله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل* إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم* ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى: 41-42-43}

ولا شك أن المقام الأول هو أعلى المقامات، وأفضل الخيارات، لما جاء فيه من الأجر والثواب، ومما يؤكد ذلك أن الآيات التي أفادت إباحة المقابلة بالمثل قرنت بالدعوة والترغيب في العفو، والعفو معناه تحمل الإساءة والصبر على آثارها في النفس أو العرض أو غيرهما، رجاء ثواب الله وحسن العاقبة لديه، وعليه، فمن اختار مقام العفو والصفح لم يطلب الاعتذار.

وأما ما استشكلته من آية النساء، فإن الجواب عليه أن تسلط الظالم عليك ذنب ارتكبه في حقك يسوغ لك الدعاء عليه، ولا يمنع هذا أن يكون عدم حفظ الله لك من تسلطه عليك بسبب ذنبك أو ابتلاء لك، فعلى العبد إذا ابتلي بما يكره أن يصبر، وأن يحتسب الأجر عند الله تعالى، وليستشعر قوله صلى الله عليه وسلم: ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة