السؤال
أعمل بقرية سياحية وقرأت الفتوى المتعلقة بذلك ولكن السؤال: هل أترك العمل فورا، أم أستمر فى العمل حتى أجد عملا آخر، مع العلم بأن مؤهلي التعليمي لا يتناسب مع عمل أخر سوى العمل السياحي، وأني لا أحمل خمرا، وأنا متزوج ولي ابنتان، وأنا مقتنع جدا بأن هذا المجال حوى كل شر، وهل أكون من المتواكلين إذا تركت العمل بدون وجود بديل فى الوقت الحالى، وأنا شاب أتطلع إلى الالتزام الديني وأحب أن أنافس على الدرجات العلى، وأصحابي فى العمل لديهم شبهات كثيرة:1- يقولون إننا مضطرون للعمل فى السياحة لعدم وجود بديل2- يقولون إن أحد العلماء أفتى لهم بجواز الاستمرار فى العمل لحين وجود عمل آخر يكون له نفس الراتب الذى يأخذونه فى العمل السياحي.3- يقولون إننا هنا فى جهاد، فحينما يكون أمامك نساء عاريات وتغض بصرك، فإنك قد جاهدت نفسك4- يقولون إن كل الأعمال المباحة شرعا الآن بها شك الشبهة فى المال، نعم إن أموال الدولة تشمل الضرائب على الخمر....ألخ5- يقولون بأن الشخص حينما يكون بعيدا عن حمل الخمر والنظر إلى النساء فلا إثم عليه.6- حينما أتكلم معهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقولون الآيه "عليكم أنفسكم..." هذه بعض الشبهات التي قالوها حينما طبعت الفتوى الخاصة بحكم الدين فى العمل فى مجال السياحةأيها العلماء أناشدكم الله الله فى سرعة الإجابة والوضوح الوضوح لإزالة الشبهات، وتقديم الحل الشرعيفأنتم أيها العلماء خليفة الله والرسول فى ذلك الأمر، وفقكم الله لنصيحة الأمة، وردها إلى كتاب الله، وسنة الرسول، وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم؟ جزاكم الله خير الجزاء، برجاء إرسال الإجابة على البريد الإلكتروني osmanmontaser.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمن المعلوم أن في هذه القرى السياحية من الشرور والفساد وانتهاك حرمات الله، ما الله به عليم، وما كان كذلك حرم العمل به، أيا كان نوع هذا العمل، لأن العمل فيه تعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب {المائدة:2}، وعليه فيجب على كل من يعمل في هذه القرى أن يتوب إلى الله ويترك هذا العمل إلا إذا كان مضطرا للبقاء فيها ضرورة ملجئة، وأمن على نفسه من الفتنة، فإذا كان كذلك جاز له البقاء فيها حتى يجد عملا آخر تندفع به ضرورته ولو كان راتبه أقل من راتب العمل في هذه القرى، وحد الضرورة الملجئة هو أنه إذا تركت العمل لا تجد ما تأكل أو ما تشرب أو ما تلبس ونحو ذلك لك ولمن تعول.
ومن ترك العمل في هذه القرى، فليس من المتواكلين، سواء وجد بديلا أو لم يجد لأن هذا العمل محرم كما تقدم، وقد قال الله تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب {الطلاق:2-3}، وأما من أفتى بالاستمرار في العمل لحين وجود عمل آخر يكون له نفس الراتب الذي يؤخذ في القرية السياحية، فهذه الفتوى غير صحيحة، لأن هذا العمل محرم، لا يجوز البقاء فيه إلا لضرورة، ومتى اندفعت هذه الضرورة ولو براتب أقل حرم البقاء فيه.
وأما من برر جواز هذا العمل بأنه يجاهد نفسه أمام النساء العاريات ويغض بصره فهذا خطأ، لأن مقاربة هذه المنكرات سبب لمقارفتها ولو على المدى البعيد، قال صلى الله عليه وسلم: والمعاصي حمى الله، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه. رواه البخاري.
وأما من برر ذلك العمل بأن أجور الأعمال المباحة شرعا لا تسلم من غبار الربا أو الخمور أو الضرائب أو نحو ذلك من المحرمات، فهذا -على فرض التسليم به- غير صحيح لوجهين:
الأول: أنه لا يصح قياس العمل في القرى السياحية على العمل في الأعمال المباحة لأن العمل في هذه القرى حرام، لأنه إعانة على معصية كما تقدم، بينما هذه الأعمال في نفسها مباحة.
الثاني: أن الأصل في الأموال التي بأيدي الناس -والتي يستوفى منها أجور الأعمال المباحة- أنها حلال، وإن دخلها حرام فهو متناه محصور بخلاف الحلال فإنه غير محصور، واختلاط غير المتناهي بما هو متناه لا يحرمه، قال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، بعد أن قسم اختلاط الحرام بالحلال: القسم الثاني: حرام محصور بحلال غير محصور، كما لو اختلطت رضيعة أو عشر رضائع بنسوة بلد كبير فلا يلزم بهذا اجتناب نكاح نساء أهل البلد بل له أن ينكح من شاء منهن.... وكذلك من علم أن مال الدنيا خالطه حرام قطعا لا يلزمه ترك الشراء والأكل فإن ذلك حرج وما في الدين من حرج، ويعلم هذا بأنه لما سرق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم مجن، وغل واحد في الغنيمة عباءة، لم يمتنع أحد من شراء المجان والعباء في الدنيا وكذلك كل ما سرق وكذلك كان يعرف أن في الناس من يرابي في الدراهم والدنانير، وما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس الدراهم والدنانير بالكلية، وبالجملة إنما تنفك الدنيا عن الحرام إذا عصم الخلق كلهم عن المعاصي وهو محال.
وإذا لم يشترط هذا في الدنيا لم يشترط أيضا في بلد إلا إذا وقع بين جماعة محصورين، بل اجتناب هذا من ورع الموسوسين إذ لم ينقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة ولا يتصور الوفاء به في ملة من الملل ولا في عصر من الأعصار.انتهى
وأما من احتج على جواز العمل في القرى السياحية بأنه ما دام بعيدا عن حمل الخمر والنظر إلى النساء فلا إثم عليه، فقد قدمنا أن مجرد العمل في هذه القرى إعانة على ما فيها من الشرور، وقد حرم الله ذلك بقوله: ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {المائدة:2}.
وأما من احتج على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم {المائدة:105}، فغير صحيح لأن من الهداية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن فعل المسلم ذلك فلا يضره من ضل، وفي سنن أبي داود والترمذي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قال: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأو الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب.
وإذا عجز المسلم عن إنكار المنكر فلا يجوز له التواجد في أمكنته لغير ضرورة، لأن حاضر المنكر باختياره لغير ضرورة مثل فاعله، كما دل عليه قوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم {النساء:140}، وراجع للفائدة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 23561، 33729، 52251.
والله أعلم.