تزوجي صاحب الدين والخُلُق ولو كان من جنسية لا ترغبينها

0 756

السؤال

أنا فتاة لا أحب عاداتنا، ولا تقاليدنا، وأعتز بديني كثيرا، ولي حق أن أقول: لا أريد الزواج من سعودي الجنسية أبدا؛ لأني لن أسعد معه، ولا بأس بعربي من أي مكان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخيروا عروقكم، وأبي يرى أن السعودي هو الأفضل، وأنا لا أرى ذلك، ومن حقي كمسلمة أن أختار من أريد، وتقاليدنا تقول: من حق الأب أن يختار لابنته، فأين حرية المرأة!؟ فالرجل يختار ما يريد، والمرأة تأخذ من يفرض عليها، فهل يجوز لي أن أتزوج من الذي يناسبني؛ حتى ولو كان دون رضا أبي، مع رضا أمي بذلك؛ لأنها تعرف أن شخصيتي لا تناسب السعوديين، فأنا إنسانة حرة لا يقيدني إلا الدين، والإسلام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن العادات، والتقاليد يجب أن تكون تابعة للدين، وموافقة له.

أما إذا كانت غير موافقة للدين، فيجب تركها، والتخلي عنها، وإحلال الدين محلها؛ لأن ديننا الإسلامي دين عظيم شامل كامل، وفيه الحل لكل المشكلات، والمعضلات، وقد كفل للمرأة حريتها، وأعلى من شأنها، وكرمها أما، وبنتا، وأختا، وزوجة، وقد وصى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا، فقال: استوصوا بالنساء خيرا؛ فإنهن عوان عندكم. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. وعوان، أي: أسيرات، شبههن الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسيرات؛ شفقة، ورحمة.

وقد بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من استئذان النساء قبل تزويجهن، فقال صلى الله عليه وسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها. رواه مسلم، وأصحاب السنن. والأيم في الأصل: من لها زوج، والمراد هنا عند الشافعي: الثيب بأي طريق كان، يفيده عطف البكر عليها. والمراد بالثيب: المرأة التي فارقت زوجها، أو دخل بها.

وقد اتفق العلماء أنه لا بد من رضا الثيب، قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد: وأما النساء اللاتي يعتبر رضاهن في النكاح: فاتفقوا على اعتبار رضا الثيب البالغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: "والثيب تعرب عن نفسها". (رواه أحمد، وابن ماجه، والبيهقي) إلا ما حكي عن الحسن البصري. انتهى.

أما البكر البالغ، فهل يجوز للأب إجبارها أم لا؟

وقع الخلاف في ذلك، والصحيح أنه لا يجوز إجبارها، ولا بد من اعتبار رضاها، وهو مذهب الأوزاعي، والثوري، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي، وابن المنذر، والإمام أحمد في رواية ثانية؛ لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن"، فقالوا: يا رسول الله، فكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت". متفق عليه. ولما رواه أبو داود، وابن ماجه عن ابن عباس أن جارية بكرا، أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم. قال الإمام ابن قدامة في المغني: ولأنها جائزة التصرف في مالها، فلم يجز إجبارها، كالثيب، والرجل. انتهى.

وبناء على ما تقدم؛ فإن الفتاة البالغة لا يجوز أن يجبرها أحد على الزواج ممن لا ترضاه، إذا كانت لم ترضه لعيب في دينه، أو خلقه، أو عيب في خلقه لا تطيق معه العيش.

وإذا أجبرت، فيمكنها أولا الاستعانة ببعض المشايخ، أو الفضلاء من عقلاء القوم؛ لإقناع الأب بأن ذلك الرجل لا يناسب الفتاة، فيصلح بين الفتاة وأهلها.

وإذا لم تنفع وسائل الإصلاح، فيمكنها الذهاب إلى المحكمة، وكذلك إذا منعها الأب من الزواج من الكفء المستوفي للشروط، دون سبب وجيه، فلها الذهاب إلى المحكمة؛ ليزوجها القاضي منه.

أما السؤال عن الزواج بغير رضى الأب، مع أن الأم راضية.

فالجواب عنه: أن جمهور العلماء على أن الولي شرط في صحة النكاح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل. رواه أصحاب السنن، وأحمد، والبيهقي.

فلا يجوز الزواج بغير رضا الأب، ولا يكفي رضا الأم، وللأم أن تقنع الأب بما يناسب الفتاة.

ونصيحتنا لهذه السائلة الكريمة، ألا تقبل إلا بمن كان مرضي الدين والخلق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه. رواه الترمذي، وابن ماجه.

فإذا كان الخاطب صحيح الاعتقاد، محافظا على الصلوات، مؤديا للفرائض، مجتنبا للكبائر، مشهورا بحسن الأخلاق والسيرة، فاقبلي به؛ لأن هذا هو الكفء، فاحرصي عليه دون سواه.

وأما المشكلة التي تتحدثين عنها، وهي أنك ترفضين الزواج من أي شاب من بلادك- بغض النظر عن الصالح وعدمه-، فإننا نرى أنك قد بالغت في التشاؤم؛ ولذلك عممت الحكم، وهذا غير سديد، ولعلك كنت متأثرة بصحبة، أو قرابة من جهة الأم، أو أنك عشت فترة معينة في بلد ما خارج بلد أهلك… ونحوا من ذلك.

والذي نظنه أن في بلادك من الشباب الأخيار، ذوي الثقافة العالية، والأفق الواسع، ما يتوافق وتطلعاتك العاجلة، كما أن زواجك من فتى مهذب من بيئتك، له عواقب حميدة، ربما لم تتنتبهي لها:

منها: الارتباط بالأهل، والأقارب، والفتاة بحاجة إلى أقاربها، وعشيرتها، فإن الدهر قلب؛ وإذا لم تكن علاقتك بزوجك على ما يرام، فلتتوقعي مشاكل، ربما لا قبل لك بها.

- هل فكرت في الذرية من بعدك، في محاضن تربيتهم، والبيئة التي ينشؤون فيها، وعلاقاتهم. إن البيئة التي تعيشين فيها الآن بيئة طبية، وإن كانت لك عليها ملاحظات، لكن كما قيل: ستعرفني إذا جربت غيري.

- لعل البيئة القريبة التي تعيشين فيها غير مريحة، وهذا لا يعني أن المناطق كلها نسخة مكررة، بل إن هناك فروقا كبيرة بين إقليم وآخر من أقاليم البلد الواحد، فحاولي أن تستبدلي البيئة القريبة ببيئة أخرى أكثر مناسبة لك، وهذا غير متعذر، فيمكنك أن تتزوجي من شاب مستعد للانتقال، أو أي شاب من منطقة أخرى من بلادك.

- رأي أبيك رأي وجيه، فلا تتعجلي في رفضه، فهو ناصح لك، بلا شك.

ولا نرى أنه يسعك مخالفته في أصل الفكرة، لكن من حقك أن تشترطي صفات معينة صالحة في زوج المستقبل، في حدود بلادك الواسعة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة