السؤال
السلام عليكم هل الجن مكلفون بالحج مثل الإنس ؟ وهل يحجون مع الإنس فى نفس التوقيت ؟ وهل يرجمون إبليس ؟
السلام عليكم هل الجن مكلفون بالحج مثل الإنس ؟ وهل يحجون مع الإنس فى نفس التوقيت ؟ وهل يرجمون إبليس ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد:
أولا : فالذي دل عليه القرآن والسنة أن الجن مكلفون بالإيمان وبالشرائع ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إليهـم كما بعث إلى الإنس ، وأن الجن فيهم المؤمن والكافر ، والصالح والطالح ، وأن مصير المؤمنين منهم الجنة، وأن مثوى الكافرين النار .
قال الله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) .[ الأنبياء: 107].
وقال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) . [الذاريات: 56].
وقال تعالى : ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا ). [ الأنعام : 130].
وقد قص الله لنا خبر استماعهم وإنصاتهم للقرآن الكريم ، وانقلابهم إلى قومهم منذرين ، قال تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ). [ الأحقاف : 29 - 31] .
وقال تعالى : ( قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ). [الجن : 1-2].
والدليل على أن فيهم المسلم والكافر ، والصالح والطالح هو قوله تعالى : ( وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا ). [ الجن : 11] .
وقوله تعالى : ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) . [ الجن : 14 - 15] .
قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( سنفرغ لكم أيها الثقلان) . [ الرحمن: 31].
[ هذه السورة و " الأحقاف" و " قل أوحي" دليل على أن الجن مخاطبون مكلفون مأمورون منهيون مثابون معاقبون كالإنس سواء ، مؤمنهم كمؤمنهم ، وكافرهم ككافرهم ، لا فرق بيننا وبينهم في شيء من ذلك ] انتهى .
لكن من أهل العلم من قال: ليس للجن في الآخرة إلا أنهم يجارون من عذاب النار ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم ، وقد عزا القرطبي هذا القول لأبي حنيفة رحمه الله ، ثم قال القرطبي : وقال آخرون : إنهم كما يعاقبون في الإساءة يجازون في الإحسان مثل الإنس ، وإليه ذهب مالك والشافعي وابن أبي ليلى ، وقد قال الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون ، قال القشيري : والصحيح أن هذا مما لم يقطع فيه بشيء والعلم عند الله . انتهى كلام القرطبي وهو في تفسير سورة الأحقاف .
وقد استنبط القرطبي رحمه الله في مواضع من تفسيره أنهم يدخلون الجنة كالإنس ومن ذلك قوله تعالى عن الحور العين في الجنة : (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) . [الرحمن: 56].
وقوله تعالى: ( وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا).
[الجن: 13] .
قال ابن عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته .
وقد احتج البخاري بهذه الآية وترجم في صحيحه فقال : باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم ، وذلك في كتاب "بدء الخلق" .
وذكر الحافظ في الفتح ما رواه ابن أبي حاتم من طريق أبي يوسف قال: قال ابن أبي ليلى في هذا : لهم ثواب ، قال : فوجدنا مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: (ولكل درجات مما عملوا) .
قال الحافظ : وإلى هذا أشار المصنف ( البخاري) … واستدل بهذه الآية أيضا ابن عبد الحكم ، واستدل ابن وهب في مثل ذلك بقوله تعالى: ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) الآية . فإن الآية بعدها أيضا : ( ولكل درجات مما عملوا) ونقل عن مالك أنه استدل على أن عليهم العقاب ولهم الثواب بقوله تعالى: ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) ثم قال ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) والخطاب للإنس والجن ، فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين-، والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه - ثبت المطلوب والله أعلم. انتهى كلام الحافظ .
وقد ساق الإمام ابن القيم الحجج المذكورة كلها وزاد عليها في مبحث قيم ضمن كتابه : "طريق الهجرتين" عند الحديث عن الطبقة الثامنة عشرة من طبقات المكلفين : طبقة الجن .
ثانيا : وينبني على ما سبق أنهم مكلفون بالحج وغيره من العبادات ، وقولك في السؤال : وهل يحجون مع الإنس في نفس التوقيت ؟ يجاب عنه بنعم ، فليس للحج إلا وقت واحد معلوم .
ثالثا : قولك : وهل يرجمون إبليس ؟
اعلم وفقك الله ، أن المشروع في الحج هو رمي الجمار ، اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا المكان الذي يرمى - وإن ذكرنا بحال خليل الله إبراهيم عليه السلام وهو يرجم الشيطان - إلا أنه الآن ليس شيطانا ، ولم يرد في الكتاب أو السنة ما يفيد إطلاق هذا التعبير " رجم إبليس" وإنما الوارد : رمي جمرة العقبة والجمرة الصغرى والوسطى .لكن جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه الحاكم والبيهقي بعد ذكر ما كان من إبراهيم عليه السلام ورجمه للشيطان : ( الشيطان ترجمون وملة أبيكم تتبعون ).
وهو محمول - إن شاء الله - على الرجم المعنوي ، فإن الشيطان يؤذيه امتثال المؤمنين وطاعتهم ، مع ما يشتمل عليه رجم الجمار من التكبير والدعاء ، مما لا يود الشيطان سماعه.
وقد روى أبو داود في سننه من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله " .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير سورة الحج : [ فذكر الله الذي يشرع الرمي لإقامته هو الاقتداء بإبراهيم في عداوة الشيطان ، ورميه ، وعدم الاتقياد له ، والله يقول ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ) . [ الممتحنة : 4] . فكأن الرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في قوله تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ). [فاطر: 6] ، وقوله منكرا على من والاه : ( أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو) . [ الكهف : 50] ومعلوم أن الرجم بالحجارة من أكبر مظاهر العداوة ) انتهى .
رابعا : قال بعض أهل العلم : إن الجن ربما خالفوا الإنس في بعض التكاليف ، لاختلاف طبيعتهم عن طبيعة الإنس .
قال الإمام الزركشي في البحر المحيط في أصول الفقه (1/384)
وقد وقع نزاع بين المتأخرين في أن الجن مكلفون بفروع الدين ، فقال بعض محققيهم : إنهم مكلفون بها في الجملة لكن لا على حد تكليف الإنس بها لأنهم يخالفون الإنس بالحد والحقيقة ، فبالضرورة يخالفونهم في بعض التكاليف .
مثاله أن الجن قد أعطى بعضهم قوة الطيران في الهواء فهو مخاطب بقصد البيت الحرام للحج طائرا ، والإنسان لعدم تلك القوة لا يخاطب بذلك ، هذا في طرف زيادة تكليفهم على تكليف الإنس ، فكل تكليف يتعلق بخصوص طبيعية الإنس ينتفي في حق الجن ، لعدم تلك الخصوصية فيهم .
والدليل في حق الجن بالفروع الإجماع على أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالقرآن إلى الإنس والجن ، وجميع أوامره ونواهيه يتوجه إلى الجنسين ، وقد تضمن ذلك أن كفار الإنس مخاطبون بها ، وكذلك كفار الجن ) انتهى كلام الزركشي .
والله تعالى أعلى وأعلم .