السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرح بفضله صدور المرشدين للعباد وقيض لحمل الشريعة السمحاء ورثة الأنبياء، قرأت في كتاب شرح خطط السداد والرشد على نظم مقدمة ابن رشد للعلامة التتائي المالكي رحمه الله ما نصه (قال العوفي: قال العلماء من دخل في الصلاة وأتى بالهيئة كما أمر الله تعالى من الركوع والسجود والقيام والقعود ولم يترك منها شيئا فلما فرغ سئل عن فروضها وسننها وحكمها، فلم يعرف من ذلك شيئا بل قال أفعل كما رأيت الناس يفعلون فصلاته باطلة وكذا الوضوء والغسل.... بل هو في جميع ما فعله آثم عاص لله ورسوله، وليس في ذلك بين أهل العلم خلاف وكذلك الحج وسائر العبادات) أنا لا أشك فيما يتفق عليه العلماء لكني أود أن أعرف الأدلة، وما يجب على المسلم أن يتعلمه من أمر دينه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكره التتائي نقلا عن العوفي حمله بعض أهل العلم على ما إذا حصل خلل في تلك الصلاة أو نحوها من العبادات، أما إذا تعلم صفتها الصحيحة وأداها من غير خلل، فهي صحيحة، ومثلها غيرها من العبادات التي ذكرت.
قال الدسوقي المالكي في حاشيته معلقا على ما ذكره الدردير من بطلان صلاة من اعتقد أن جميع أجزاء الصلاة فروض: قوله: وكذا اعتقاد أن كل جزء منها فرض: البطلان في هذه الصورة ذكره العوفي قائلا من غير خلاف ونقله تت (يقصد التتائي) في فرائض الوضوء، لكن قال شيخنا العدوي: وكلام العوفي مفروض فيما إذا حصل خلل وإلا فلا بطلان، والحاصل أنه إذا أخذ صفتها من عالم، ولم يميز الفرض من غيره، فإن صلاته صحيحة إذا سلمت من الخل، سواء علم أن فيها فرائض وسننا، أو اعتقد فرضية جميعها على الإجمال أو اعتقد أن جميع أجزائها سنن، أو اعتقد أن الفرض سنة أو العكس، أو أنها فضيلة، أو اعتقد أن كل جزء منها فرض. وإن لم تسلم صلاته من الخلل فهي باطلة في الجميع هذا هو المعتمد كما قرره شيخنا، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام: صلوا كما رأيتموني أصلي. فلم يأمرهم إلا بفعل ما رأوا، وأهل العلم نوابه عليه الصلاة والسلام فهم مثله في الاقتداء بكل، فكأنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي، أورأيتم نوابي يصلون. انتهى.
ومثل الصلاة في هذا الأمر أيضا الوضوء والغسل والحج، فتصح إذا تعلم الشخص صفتها ولم يحصل فيها خلل، بدليل وضوئه صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه. متفق عليه.
وبالنسبة للحج فقد أمرهم باتباعه في فعله حيث قال صلى الله عليه وسلم: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه. وكذلك الغسل فقد نقلت صفة الغسل الكامل عنه صلى الله عليه وسلم من طرف بعض أزواجه وهي ميمونة رضي الله عنها، كما في الفتوى رقم: 6133.
والواجب على المسلم تعلمه هو كل ما أوجب الله عليه عينا، مثلما يحتاج إليه من تصحيح عقيدته وأحكام صلاته وصيامه ونحو ذلك. قال الخادمي الحنفي في بريقة محمودية ممزوجا بكتاب طريقة محمدية: حاصله أن العلم تابع للمتبوع، فإن كان المعلوم فرضا أو حراما ففرض أي فالعلم به فرض للامتثال في الأول، والاجتناب في الثاني. وإن كان واجبا أو مكروها فواجب أي فتعلمه واجب للإقدام في الأول والكف عن الثاني، هذا مبنى ما قرر في الأصول من أن وجوب الشيء يدل على حرمة تركه، وحرمة الشيء تدل على وجوب تركه. انتهى، وللمزيد عن هذا الموضوع راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11280، 22256، 42710.
والله أعلم.