السؤال
زوجة أخي ارتدت عن الإسلام ودخلت فى الديانة المسيحية على حد قولها لي، وقد حاولت كثيرا الاستعانة بالله أولا ثم ببعض علماء الدين فى محاولة لإثنائها عن ذلك ولكن باءت كل المحاولات بالفشل، وبناء عليه طلبت من أخي أن يطلقها، ولكنه أبى ذلك وتحجج بالأولاد وأن بينهما أملاكا مشتركة، فقررت مقاطعة أخي تماما ولمدة حوالي العام، بعدها صالحته إرضاء لوالدي وضغوط الأهل وبعد أن حلف أخى لي وأقسم أنها عادت للإسلام، ولكني أشاهدها بملابسها الخليعة وسفورها مما يجعلني أشك فى إسلامها لأنني كنت أتوقع الندم الشديد والعودة إلى الله وارتداء الحجاب، ولكن أي شيء من هذا لم يحدث، أرجو أن تفتوني فى أمري هل أعود لمقاطعة أخي مرة أخرى أم يبقى الوضع على ماهو عليه؟ جزاكم الله كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن رابطة الأخوة الإيمانية التي تربط المسلم بالمسلم تمنع من هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاث ليال إلا لعذر شرعي، فقد قال الله تعالى: إنما المؤمنون إخوة {الحجرات:10}، وهذه بعض النصوص الزاجرة والمحذرة من الهجر والقطيعة للمسلم، والقريب المسلم من باب أولى:
1- عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم.
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا. رواه مسلم.
3- وعن أبي خراش رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه. رواه أبو داود وصحح إسناده النووي والأرناؤوط وقال الألباني صحيح.
ولكن يجوز الهجر والقطيعة إذا كان سببها أمرا دينيا، على أن يكون الغرض منها الردع، والرجوع للحق، قال الشيخ ابن العربي المالكي: وأما إن كانت الهجرة لأمر أنكر عليه من الدين كمعصية فعلها أو بدعة اعتقدها، فيهجره حتى ينزع عن فعله وعقده، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في هجران الثلاثة الذين خلفوا خمسين ليلة حتى صحت توبتهم عند الله، فأعلمه فعاد إليهم. عارضة الأحوذي 8/91.
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما يجوز من الهجران لمن عصى. وقال كعب حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامنا وذكر خمسين ليلة.
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري: أراد بهذه الترجمة بيان الهجران الجائز لأن عموم النهي مخصوص لمن لم يكن لهجره سبب مشروع، فبين هنا السبب المسوغ للهجر وهو لمن صدرت منه معصية، فيسوغ لمن اطلع عليها منه هجره عليها ليكف عنها.
وعليه، فلا بأس بهجر أخيك ومقاطعته حتى يرتدع عن الإمساك بعصمة الكافرة المرتدة، والله تعالى يقول: ولا تمسكوا بعصم الكوافر {الممتحنة:10}، لكن بشرطين:
الأول: كون هذا الهجر لحق الله وليس لحظ النفس وهواها.
الثاني: التأكد من كون زوجة أخيك لم تتب من ردتها، وبقائها على كفرها، مع مراعاة ضوابط الهجر التي سبق بيانها في الفتوى رقم: 18120.
وننبه هنا الأخ المتزوج من هذه المرأة إلى أن الزوجة إذا ارتدت عن الإسلام فلا يجوز له وطؤها، فإذا انقضت العدة قبل رجوعها إلى الإسلام فقد انفسخ عقد النكاح ولا بد من عقد جديد، أما إذا رجعت إلى الإسلام في العدة فلا ينفسخ النكاح، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في الأم: وإذا ارتدا أو حدهما منعا الوطء، فإن انقضت العدة قبل اجتماع إسلامهما انفسخ النكاح، ولها مهر مثلها إن أصابها في الردة، فإن اجتمع إسلامهما قبل انقضاء المدة فهما على النكاح. انتهى.
والله أعلم.