السؤال
هل يوجد ما أحذر منه أثناء قراءتي لتفسير فخر الدين الرازي.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الرازي رحمه الله تعالى من أئمة الأشاعرة وعلماء الكلام الذين جانبوا منهج أهل السنة والجماعة في كثير من أبواب الاعتقاد، ولقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرازي وأمثاله: أوتوا ذكاء ولم يؤتوا زكاة. ولقد تصدى له رحمه الله في كتابه" بيان تلبيس الجهمية" وبين أحواله وتناقضه وقواعده التي أسس عليها بنيانه ـ وهي أوهن من بيت العنكبوت ، كما خصص له جزءا كبيرا من كتابه " درء تعارض العقل والنقل"وأما تفسير الرازي فإنه يعتبر مرجعا كبيرا في علم الكلام عموما وفي العقيدة الأشعرية خصوصا، ثم إنه انشغل بذكر أقوال المعتزلة المذمومة والرد عليها، إلا أن رده لم يكن كافيا ولا شافيا، فقد قال الحافظ ابن حجر ـ كما في " لسان الميزان": وكان يعاب بإيراد الشبهة الشديدة، ويقصر في حلها، حتى قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقدا ويحلها نسيئة . اهـ. وأورد ابن حجر في : لسان الميزان" أيضا عن الرازي في تفسيره أنه: يورد شبهات المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون من التحقيق، ثم يورد مذهب أهل السنة على غاية من الوهاء. اهـ. ثم إن الرازي في تفسيره أكثر من الاستطراد في الفلسفة والعلوم الرياضية والطبيعية وغيرها من العلوم الحادثة في الملة، وعرض كثيرا لأقوال الفلاسفة بالرد والتفنيد ، ولكنه كان يصوغ أدلته على نمط استدلالاتهم العقلية لا على الطريقة السلفية المرضية. والرجل لم يكن عالما بعقيدة السلف الصالح تخبط في باب الأسماء والصفات تخبطا شديدا ولقب القائلين بمذهب السلف بلقب "المجسمة" وفي الجملة فإن تفسير الرازي لا ينصح به طالب العلم الذي لم يتضلع من علم العقيدة وفهم منهج السلف الصالح الذي قرره أئمة أهل السنة والجماعة ومن أعظمهم الإمام شيخ اللإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وهناك من التفاسير الموافقة لمعتقد السلف الصالح ما يغني عن تفسير الرازي وأمثاله مثل تفسير الحافظ ابن كثير أو مختصره: "تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير" لمحمد نسيب الرفاعي، ومن كتب المعاصرين" أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" لمحمد الأمين الشنقيطي. ومن التفاسير المختصرة: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" للسعدي. هذا، وليعلم أن الرازي في خواتيم حياته قد من الله تعالى عليه بالتوبة من اعتقاده الفاسد وبالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح من أئمتنا، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره" أضواء البيان" ما نصه: واعلم أيضا أن الفخر الرازي الذي كان في زمانه أعظم أئمة التأويل ورجع عن ذلك المذهب إلى مذهب السلف معترفا بأن طريق الحق هي اتباع القرآن في صفات الله. وقد قال ذلك في كتابه: أقسام اللذات: لقد اختبرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فلم أجدها تروي غليلا، ولا تشفي عليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن أقرأ في الإثبات:
{الرحمن على العرش استوى} ، {إليه يصعد الكلم الطيب} ، والنفي:{ ليس كمثله شيء} ، {هل تعلم له سميا}، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. اهـ. وقد بين هذا المعنى في أبياته المشهورة التي يقول فيها:
نهاية إقدام العقول عقال * وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا * وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا * سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا إلى أخر الأبيات. اهـ. من " أضواء البيان.