السؤال
هل زكاة المال يجب أن تكون مالا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في حكم إخراج القيمة بدل العين الواجبة في الزكاة، فالذي ذهب إليه الجمهور أن ذلك لا يجوز لعدة أمور منها أن الزكاة عبادة، ولا يصح أداء العبادة إلا على الوجه المأمور به شرعا. ومنها ما رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الحاكم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "خذ الحب من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر". وهو نص يجب الوقوف عنده، ولا يجوز تجاوزه إلى أخذ القيمة ، لأنه في هذه الحال سيأخذ من الحب شيئا غير الحب، ومن الغنم شيئا غير الشاة... إلخ، وهو خلاف ما أمر به الحديث.
وذهب الإمام أبو حنيفة والبخاري وأشهب وابن القاسم ـ في رواية عنه ـ إلى جواز إخراج القيمة بدل العين، مستدلا بحديث معاذ مع أهل اليمن حيث قال لهم: إيتوني بخميس أو لبيس آخذه مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة. رواه البيهقي والبخاري تعليقا.
وهنالك مذهب ثالث وسط يراه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع، أما إن كان لحاجة أو مصلحة راجحة تعود على الفقير فلا بأس به. قال الشوكاني: الحق أن الزكاة واجبة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر.
ونحن نرى هذا المذهب الوسط الذي ذهب إليه شيخ الإسلام، وتبعه فيه الشوكاني ، ومما يؤيد هذا المذهب الوسط أن أكثر العلماء على أن جانب التعلل في الزكاة مقدم على جانب التعبد، يؤيد ذلك وجوبها في مال الصبي، ولو كان يتيما ، وصحة النيابة في دفعها.
قال في المراقى:
أنب إذا ما سر حكم قد جرى بها كسد خلة للفقرا
والهاء في قوله "بها" عائدة على العبادة.
فإذا كان السر في حكمها هو سد خلة الفقير، فلم لا تدفع قيمة إذا كان دفعها قيمة أحظ للفقراء؟. ينضاف إلى هذا أن ما استدل به الجمهور من حديث معاذ الأول: "خذ الحب من الحب ... الحديث " لم يسق لبيان حصر المأخوذ وإنما سيق لبيان أن الأصل في المأخوذ من الزكاة أن يكون من جنس العين المزكاة وألا يلزم المزكي بدفع غير ذلك ولو رآه الساعي أحظ للفقير ، يؤد هذا أن معاذا نفسه هو الذي كان يأخذ اللبيس والخميس من الثياب مكان الحب برضى الدافع لما رأى ذلك أحظ للفقير وأخف على رب المال . ولا يخفى أن التفاوت بين الثياب والحب تفاوت كبير وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بأنه كان أعلم أصحابه بالحلال والحرام، كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
والله أعلم .