السؤال
سمعت أنه ليس كل أمر من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد الوجوب، ولكن الأمر في اللغة العربية له أكثر من 33 معنى، فكيف أعرف الأوامر التي تكون فرضا والتي تكون سنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها؟ وجزاكم الله خيرا.
سمعت أنه ليس كل أمر من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم يفيد الوجوب، ولكن الأمر في اللغة العربية له أكثر من 33 معنى، فكيف أعرف الأوامر التي تكون فرضا والتي تكون سنة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي عليه جمهور أهل العلم هو أن الأمر من الشارع يكون للوجوب إلا أن تصرفه عنه قرينة إلى الاستحباب أو الإباحة، قال الشيخ الشنقيطي في الأضواء عند تفسير قوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم {النور:63}، قال: وهذه الآية الكريمة قد استدل بها الأصوليون على أن الأمر المجرد عن القرائن يقتضي الوجوب، لأنه جل وعلا توعد المخالفين عن أمره بالفتنة أو العذاب الأليم، وحذرهم من مخالفة الأمر، وكل ذلك يقتضي أن الأمر للوجوب، ما لم يصرف عنه صارف، لأن غير الواجب لا يستوجب تركه الوعيد الشديد والتحذير.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة من اقتضاء الأمر المطلق الوجوب، دلت عليه آيات أخر من كتاب الله، كقوله تعالى: وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون. فإن قوله: اركعوا. أمر مطلق، وذمه تعالى للذين لم يمتثلوه بقوله: لا يركعون. يدل على أن امتثاله واجب.
وكقوله تعالى لإبليس: قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك. فإنكاره تعالى على إبليس موبخا له بقوله: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك. يدل على أنه تارك واجبا، وأن امتثال الأمر واجب مع أن الأمر المذكور مطلق، وهو قوله تعالى: اسجدوا لآدم. وكقوله تعالى عن موسى: أفعصيت أمري. فسمى مخالفة الأمر معصية، وأمره المذكور مطلق، وهو قوله: اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين. وكقوله تعالى: لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. وإطلاق اسم المعصية على مخالفة الأمر يدل على أن مخالفه عاص، ولا يكون عاصيا إلا بترك واجب، أو ارتكاب محرم، وكقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم. فإنه يدل على أن أمر الله، وأمر رسوله مانع من الاختيار موجب للامتثال، وذلك يدل على اقتضائه الوجوب، كما ترى، وأشار إلى أن مخالفته معصية بقوله بعده: ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. انتهى.
ويستوي في هذا الحكم أمر الله وأمر رسوله، ويدل لذلك أن الله تعالى فرض طاعة رسوله في غير آية من كتابه وقرنها بطاعته عز وجل، وقال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا {الحشر:7}، وقال تعالى: قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين {آل عمران:32}، وقال تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى.
وقال بعض العلماء إن الأمر يكون للاستحباب إلا لقرينة، وقيل للطلب الذي هو أعم من الوجوب والاستحباب والإباحة، وفصل آخرون بين أمر الرب وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن الراجح هو القول الأول للأدلة التي ذكرنا سابقا، قال الشيخ سيدي عبد الله في مراقي السعود:
وافعل لدى الأكثر للوجوب * وقيل للندب أو المطلوب
وقيل للوجوب أمر الرب * وأمر من أرسله للندب
ثم إنه إن وجدت قرينة تصرف الأمر عن الوجوب حمل على ما دلت عليه القرينة من ندب أو إباحة أو غير ذلك، ومثال ذلك الأمر بالوتر، في قوله صلى الله عليه وسلم: يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر. رواه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه.
فقد ثبتت القرينة المفيدة لصرفه عن الوجوب حيث دل حديث آخر على أن الصلوات لا يجب منها غير الخمس، وذلك في حديث الرجل الذي جاء يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. متفق عليه.
قال الباجي في المنتقى: وهذا نص في أنه لا يجب من الصلوات غير الصلوات الخمس لا وتر ولا غيره.
والضابط الذي يعرف به الفرق يبن الأمر الذي يفيد الطلب والأمر الذي يراد به غير الطلب كالتهديد ونحوه إنما يعرف بسياق الكلام.
والله أعلم.