السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن تعريف بيع العينة مع الحكم على من تعامل به وهو على علم ومعرفة به؟
جزاكم الله الخير، وفي أمان الله حتى نلقاكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
هل يمكن تعريف بيع العينة مع الحكم على من تعامل به وهو على علم ومعرفة به؟
جزاكم الله الخير، وفي أمان الله حتى نلقاكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعينة بكسر العين معناها في اللغة: السلف، يقال: اعتان الرجل: إذا اشترى الشيء بالشيء نسيئة أو اشترى بنسيئة.
وقيل: لهذا البيع عينة، لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها (أي من البائع)، عينا أي نقدا حاضرا.
ويرى الكمال بن الهمام من الحنفية أنه سمي بيع العينة لأنه من العين المسترجعة، واستحسن الدسوقي من المالكية أن يقال: إنما سميت عينة، لإعانة أهلها للمضطر على تحصيل مطلوبه على وجه التحيل بدفع قليل في كثير.
أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرفت بتعريفات:
- قال في رد المحتار وهو حنفي: هي بيع العين بثمن زائد نسيئة ليبيعها المستقرض بثمن حاضر أقل ليقضي دينه. انتهى
- وعرفها الرافعي من الشافعية: بأن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه بائعه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر. انتهى، وقريب منه تعريف الحنابلة.
- وعرفها المالكية كما في الشرح الكبير: بأنها بيع من طلبت منه سلعة قبل ملكه إياها لطالبها بعد أن يشتريها. انتهى
ويمكن تعريفها ملخصا بأنها: قرض في صورة بيع لاستحلال الفضل.
وللعينة المنهي عنها تفسيرات أشهرها: أن يبيع سلعة بثمن إلى أجل معلوم، ثم يشتريها نفسها نقدا بثمن أقل، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثمن الأول، والفرق بين الثمنين فضل هو ربا للبائع الأول.
وتئول العملية إلى نحو قرض عشرة لرد خمسة عشر، والبيع وسيلة صورية إلى الربا، وقد اختلف الفقهاء في حكمها بهذه الصورة: فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: لا يجوز هذا البيع.
وقال محمد بن الحسن: هذا البيع في قلبي كأمثال الجبال اخترعه أكلة الربا.
ونقل عن الشافعي رحمه الله جواز الصورة المذكورة كأنه نظر إلى ظاهر العقد، وتوافر الركنية، فلم يعتبر النية.
وفي هذا استدل له ابن قدامة من الحنابلة: بأنه ثمن يجوز بيع السلعة به من غير بائعها، فيجوز من بائعها، كما لو باعها بثمن مثلها. انتهى
وعلل المالكية عدم الجواز بأنه سلف جر نفعا، ووجه الربا فيه -كما يقول الزيلعي من الحنفية-: أن الثمن لم يدخل في ضمان البائع قبل قبضه، فإذا أعاد إليه عين ماله بالصفة التي خرج بها عن ملكه، وصار بعض الثمن قصاصا ببعض، بقي له عليه فضل بلا عوض، فكان ذلك ربح ما لم يضمن، وهو حرام بالنص. انتهى
واستدل الحنابلة على التحريم بالآتي:
- ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية قالت: دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة رضي الله عنها فقالت أم ولد زيد بن أرقم: إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء، ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقدا، فقالت لها: بئس ما اشتريت، وبئس ما شريت، أبلغي زيدا: أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل إلا أن يتوب، قالوا: ولا تقول مثل ذلك إلا توقيفا.
- ولأنه ذريعة إلى الربا، ليستبيح بيع ألف بنحو خمسمائة إلى أجل، والذريعة معتبرة في الشرع بدليل منع القاتل من الإرث.
- وبما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، واتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء، فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم.
وفي رواية: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم. رواه الترمذي وغيره.
والراجح عندنا هو رأي جمهور الفقهاء القائلين بتحريم العينة، فمن أقبل عليها عامدا أثم واستحق الوعيد المذكور في الحديث، وراجع الفتوى رقم: 45435.
والله أعلم.