حقوق الوالد في مال أولاده

0 234

السؤال

أنا متدين والحمد لله وبعيد عن والدي في المسكن والعمل ومتزوج ولدي أطفال ووالدي متزوج من أخرى بعد وفاة والدتي رحمها الله وزوجته بعد أن أنجبت أطفالا من والدي فكرت أن تستولي على كل ما يملك والدي بوجه حق أم غيره تفكيرا منها لما بعد مماته (أقصد بغير وجه الحق أن تتعامل مع السحرة لخدمتها في الوصول لغايتها) أنا أملك بيتا مقاما على أرض والدي تركته مقسما لإخواني أشقائي الصغار ووالدي مع زوجته لكن زوجة والدي تريد البيت كله وتسعى لذلك بخلق الفتن بيننا مع والدنا وآخر مرة قام والدي بطردنا من البيت إرضاء لها وهو دخله فوق المتوسط ولا ينفق على أي من إخواني الأشقاء رغم أن منهم الطالب ومنهم البنت غير المتزوجة وأنا حلا للمشكلة وافقت أن أصرف على إخواني وألتزم بكل ما يحتاجونه في حدود مقدرتي ومع ذلك أنا أساعد والدي من وقت لآخر لكن هذا لم يرضه بل طالب أن أرهن كل أموالي تحت تصرفه وأنا موظف ميسور الحال والحمد لله لكن لدي التزامات أخرى تجاه أبنائي الصغار أريد أن أجمع من الفلوس لأشتري بيتا وأرتاح من بيت الإيجار والدي دائما يربط عدم طاعته في كل الأمور بعدم العفو، السؤال ما هي حدود بر الوالدين وهل أنت ومالك لأبيك تنطبق على وضعنا هذا رغم أننا لو وضعنا كل ما نملك عند والدي لم نرض زوجة أبي لأنها تنظر بعين الحسد والطمع ووالدي لا يقول لها أنت أخطأت ولو لمرة واحدة وهي امرأة غير متعلمة حتى تعرف ما يطلبه منها الشرع ولا تعرف الحلال من الحرام؟
نحن في حيرة من أمرنا نرجو منكم المساعدة كيف نرضي والدي في حدود الشرع وكذلك نؤمن لإخواني حق السكن والمصروف اليومي من غيره أرجو الاحتفاظ بالبيانات الخاصة في السرية التامة وإن طلبتم استيضاحا أكثر تجدوني في سعادة للتواصل معكم عبر البريد الإلكتروني.
حفظكم الله ورعاكم.

الإجابــة

 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله قد أوجب بر الوالدين واحترامهما وتوقيرهما وخفض الجناح لهما ومعاملتهما ومخاطبتهما بما يقتضي ذلك، وحرم تحريما غليظا كل ما يقتضي خلاف ذلك، قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا {النساء: 36}.

وقد قرن حق الوالدين بحقه فقال: ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير{لقمان: 14}.

وقرن شكره جل وعلا في هذه الآية بشكر الوالد، كما قرن النهي عن عبادة غيره جل وعلا بالأمر بالإحسان إلى الوالد، وهذا حيث يقول: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا {الإسراء: 23}.

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: رغم أنف رجل بلغ والداه عنده الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة.

فعليك أن تسعى في مرضاة أبيك حتى يدخلك الله به الجنة، ولو كانت مرضاته لا تنال إلا بأن تدفع إليه بعض مالك فبادر إلى ذلك، ولكن إذا كان والدك غير محتاج فالأصح أنه لا يجب عليك أن تدفع له جزءا من مالك، وأما حديث: أنت ومالك لأبيك. فهو يعني إباحة مال الولد لأبيه لا تمليكه له، كما قال الشوكاني وغيره.

وقد ذكر الشوكاني في هذا الحديث طرقا، ثم قال: وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج. ثم قال: فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله، فيجوز له الأكل منه، سواء أذن الولد أو لم يأذن، ويجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما دام محتاجا، ولم يكن ذلك على وجه السرف والسفه. ونقل الشوكاني القول عن العلماء أن اللام في الحديث، لام الإباحة لا لام التمليك، فإن مال الولد له، وزكاته عليه، وهو موروث عنه.

ثم اعلم أن الأرض التي بنيت بها منزلك إذا لم يثبت بالبينة أو الوثائق الشرعية أن الوالد وهبها لك لا تملكها بمجرد البناء عليها، وإنما تعتبر عارية وبالتالي فإن لك بعد انقضاء أمد الإعارة قيمة بنائك منقوضا.

ففي الدردير عند قول خليل في الهبة: لا بابن مع قوله داره... قال: أي لا تكون الهبة بقوله لولده ابن هذه العرصة دارا مع قوله أي الوالد: داره، أي دار ولدي، وكذا قوله: اركب الدابة مع قوله دابته لجريان العرف بذلك للأبناء مع عدم إرادة التمليك، وكذا المرأة تقول ذلك لزوجها، بخلاف الأجبني... ثم للولد الباني قيمة بنائه منقوضا.

وبناء عليه، فإن الأب إذا غضب عليك وأراد استرجاع عريته وهي الأرض التي بنيت عليها، فإنك لا تملك إلا قيمة البناء منقوضا، وعليه فالأولى بك ترضيته والإحسان إليه واستعطافه على أولاده الآخرين، فإن نفقة الوالد على بنيه واجبة شرعا، فحاولوا أن تقنعوه بذلك برفق، وحافظوا على الأذكار والرقى الشرعية لتسلموا من شر كل ذي شر، وإياكم والاتهام بالسحر بغير بينة، فإن الاتهام به مثل الاتهام بالكفر على قول العلماء المكفرين للساحر ومنهم الإمامان: مالك وأحمد.

وراجع للمزيد في الموضوع الفتاوى التالية: 6630، 7490، 46692، 57870، 32044، 42994، 54694.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة