السؤال
هل يجوز للإمام قطع صلاة الفريضة والخروج منها للاعتراض على المأموم الذي فتح عليه حين توقف عن القراءة، وما حكم هذه القطع في المذاهب الأربعة، خاصة ماذا يقول السادة من الأحناف، إمام مسجدنا حنفي كان في الركعة الأولي من صلاة العشاء خلفه مئات من المأمومين فابتدأ سورة الشمس بعد الفاتحة وتوقف بعد آيتين قدر سكتة التنفس وفتح عليه واحد من المأمومين وتوقف الإمام مرة ثانية وثالثة في قراءة هذه السورة لكن سكت في المرتين الأخيرتين أكثر مما يأخذ للتنفس وفتح عليه هذا المأموم أيضا في هاتين المرتين وحينئذ غضب الإمام فسلم قائما تسليمتين وقطع الصلاة وخرج منها فالتفت إلي هذا المأموم قائلا لا تشوش قراءتي إني أسكت للتنفس لا للنسيان ثم افتتح الصلاة بتكبيرة التحريم وأتم الصلاة فلما انصرف اعترض على مأموم آخر الذي لم يتابع الإمام في القطع بل فارقه وأتم منفردا سبه الإمام وزجره من المسجد وزعم أنه يجوز قطع الصلاة والخروج منها ولو فريضة لأدنى غرض ما دام لم يسجد السجدة الأولى من الصلاة، هل هذا صحيح، ما الأسباب التي تجيز قطع الصلاة فريضة كان الصلاة أو نفلا إماما كان المصلى أو منفردا، هل يجب على المأموم في هذه الحالة المذكورة مفارقة الإمام وإتمام الصلاة منفردا أم يجوز له متابعة الإمام في قطع الصلاة واستئنافها، أفيدوني؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد تقدم في الفتوى رقم: 3280 والفتوى رقم: 41708 بيان حكم الفتح على الإمام إذا توقف في الفاتحة أو غيرها، ثم إنه لا ينبغي للمأموم أن يتسرع في الفتح على الإمام حتى يتوقف ويعلم المأموم أنه يريد أن يفتح عليه، كما ينبغي للإمام إذا فتح عليه ألا يكون في نفسه من ذلك شيء بل عليه أن يعترف بالجميل لمن فتح عليه، وأن يجزيه خيرا، وللمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 62679.
أما ما فعل الإمام المذكور من السلام وقطع الصلاة لأجل أن يقول المأموم أنه شوش عليه فلا نعلم أحدا من أهل العلم قال به، وهو بذلك قد أفسد صلاته وصلاة من قطع معه، وأثم الجميع إن كانوا عالمين بحرمة قطع الصلاة لمثل هذا الأمر. ومحل بطلان الصلاة إن كانوا أتموا صلاتهم بناء على ما مضى منها قبل القطع، ففي هذه الحالة عليهم أن يعيدوا، فإن كانوا قد استأنفوا الصلاة وأتموها من غير بناء على ما قبل القطع فصلاتهم صحيحة، ولكن إثم قطع الصلاة من غير عذر يبيح قطعها يحتاج إلى توبة، وذلك لأنه لا يجوز قطع الصلاة المفروضة بعد الدخول فيها باتفاق الفقهاء إلا في حالات الضرورة مثل أن يخاف المصلي هلاكا على نفس أو تلفا على مال أو نحو ذلك، مما ذكرنا في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 11131، 13923، 1034 ففي هذه الفتاوى بيان معظم الحالات التي يجوز أو يجب فيها قطع الصلاة، ولم نطلع في كتب الأحناف على جواز قطع الصلاة لأدنى غرض، كما ذكر في السؤال، ولعل الإمام يريد بهذا الكلام ما ذكره الأحناف من جواز قطع الصلاة للمنفرد إذا أحرم في صلاة ثم أقيمت صلاة الجماعة عنده فإنه يقطع ويلتحق بصلاة الجماعة ما دام لم يسجد للركعة الأولى، فإن كان قد سجد ففي ذلك تفصيل ذكره صاحب مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر في الفقه الحنفي حيث يقول: (من شرع في فرض فأقيم) ذلك الفرض.... (إن لم يسجد) الشارع (للأولى يقطع) بالسلام أو غيره ولو راكعا وهو الصحيح. (ويقتدي) بالإمام فلو افتتح في منزله ثم سمع الإقامة في المسجد لا يقطع وكذا الشارع في المنذورة وقضاء الفوائت ولا يقطع في النفل على المختار سجد أو لا، إلا إذا أتم فيه الشفع. (وإن سجد) للأولى (وهو في) الفرض (الرباعي يتم شفعا) بأن يضم إليها ركعة أخرى ويسلم بعد التشهد حتى يصير الركعتان نافلة، (ولو سجد للثالثة يتم) لأنه قد أدى الأكثر وللأكثر حكم الكل وفيه إشارة إلى أنه لو قام إلى الثالثة بلا تقييدها بالسجدة قطع غير أنه يتخير إن شاء عاد وقعد وسلم وإن شاء كبر قائما ينوي الدخول في صلاة الإمام.... (ولو) شرع (في الفجر أو المغرب) ثم أقيم (يقطع) الشارع (ويقتدي) بالإمام (ما لم يقيد) الركعة (الثانية بسجدة) لأنه لو أضاف أخرى لفاتته الجماعة لوجود الفراغ في الفجر حقيقة وفي المغرب حكما إذ للأكثر حكم الكل (فإن قيد) الثانية بها (يتم ولا يقتدي) لكراهة النفل بعد الفجر وكذا بعد المغرب في ظاهر الرواية لأن التنفل بالثلاث مكروه. انتهى بتصرف.
وقد ذكرنا في الفتاوى التي أشرنا إليها الخلاف في جواز قطع النافلة من غير عذر، ثم إن من يرى جواز قطع النافلة يستوي عنده قطعها لعذر ولغير عذر. أما على قول من يرى عدم جواز قطعها فهي مثل الفريضة لا يجوز قطعها إلا لعذر، وكان على المأمومين عند سلام الإمام هنا أن ينووا مفارقته ويكملوا صلاتهم بأنفسهم كما فعل الأخ الذي أتم صلاته منفردا، ولهم أن يقدموا أحدهم يصلي بهم إماما، ولهم إتمام صلاتهم فرادى، قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: فأما إذا بطلت صلاة الإمام بحدث ونحوه أو قام إلى خامسة أو أتى بمناف غير ذلك فإنه يفارقه ولا يضر المأموم هذه المفارقة بلا خلاف. انتهى، ويعني بقوله بلا خلاف أي عند الشافعية، وللفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46834، 13647، 45353.
والله أعلم.