السؤال
القصة هي أن هناك إنسانا ببلاد الغربة والحالة المادية ليست جيدة، يقوم أحيانا باستقراض المال من أجل أن يتم بناء بيته في وطنه الأم، فهو يرسل هذا المال للأهل للقيام بإتمام البناء، وكلما توفر معه يقوم بالسداد - القصة لهذا الحد مقبولة - كلما بعث هذا الشخص للأهل بالمال الخاص بالبناء( المال الذي قام باستقراضه )، فإنه يخص جزءا منه لأهله، وأخر مرة خصص جزءا منه لتقوم أمه بشراء أضحية للعيد ، وجزءا هدية لأخته، والآخر لأبيه ، مع العلم أن هذا الشخص لا ينام الليل من الدين الذي عليه .
سؤالي : هل هذا عدل أن يقوم الابن بالاستدانة من أجل أضحية، أوهدية من أجل إرضاء الغير، وحتى لا يشعر أنه مقصر بأهله ؟ مع العلم أنه متزوج، وعنده 3 من الأطفال، ويسكن بالإيجار، وتكاليف الحياه في بلاد الغربة غالية جدا، وأهله عندهم أراضي ويشتغلون بالزراعة . ما هي نصيحتكم لهذا الإنسان ؟ وما رأي الدين ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أجمع العلماء على وجوب نفقة الوالدين المعسرين على ولدهما بما فضل عن قوته وقوت زوجته أو زوجاته . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على وجوب نفقة الوالدين اللذين لا كسب لهما ولا مال ، سواء أكان الوالدان مسلمين أو كافرين ، وسواء كان الفرع ذكرا أو أنثى ، لقوله تعالى : وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان: 15} .
والذي يظهر من السؤال -إن كان الواقع كما ذكر-: أن هذين الوالدين غير معسرين ، وأن لهما من المال ما ينفقانه على نفسيهما ، فلذا لا تجب نفقتهما على ولدهما ، إلا أن النفقة عليهما من تمام الإحسان إليهما ولو كانا غير محتاجين؛ لأن النفقة على الوالدين من أفضل النفقات وأعظمها أجرا عند الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أموال أولادكم من كسبكم ، فكلوا هنيئا . رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني وشعيب الأرناؤوط .
وقد وصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين فقال سبحانه : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا {الإسراء: 23} وما ذكر في السؤال من الإحسان إليهما.
فالذي نوصي به الابن هو الحرص على رضا الوالدين بكل ما أمكنه ، ولو أدى ذلك إلى أن يستدين بعض المال لهذا الغرض؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : رضا الرب في رضا الوالدين ، وسخطه في سخطهما . رواه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو ، وصححه الألباني .
وليس لزوجته حق في منعه من الصدقة والإنفاق على والديه وأخته ، بل ينبغي أن تشجعه على ذلك ، وأن تعينه عليه إن كانت فعلا تحبه وتحب له الخير ، فإن في إحسانه لهم صلاحا له في دينه ودنياه ؛
أما في دينه : فإن صلة الرحم من أحب الأعمال إلى الله تعالى ، ففي الحديث عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في نفر من أصحابه ، فقلت : أنت الذي تزعم أنك رسول الله ؟ قال: نعم ، قال : قلت : يا رسول الله ! أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال : الإيمان بالله ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم صلة الرحم ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال : قلت : يا رسول الله ! أي الأعمال أبغض إلى الله ؟ قال : الإشراك بالله ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم قطيعة الرحم ، قال : قلت : يا رسول الله ! ثم مه ؟ قال : ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف . قال الإمام المنذري : رواه أبو يعلى بإسناد جيد .
وأما في دنياه : فسعة الرزق وطول الأجل ؛ قال صلى الله عليه وسلم : من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه . متفق عليه
هذا إن استطاع هذا الرجل الجمع بين العطاء لوالديه والنفقة الواجبة عليه لزوجته وأبنائه ، فإن لم يستطع فإن المقدم حينئذ هو نفقة الزوجة والأبناء ، لأن الفقهاء قد نصوا على ذلك ، فقد قال صاحب كشاف القناع ممزوجا بمتن الإقناع : ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم بالإنفاق على نفسه ، فإن فضل عنه نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته ؛ لأنها واجبة على سبيل المعاوضة ؛ فقدمت على المواساة .
واستدلوا على ذلك بحديث جابر الذي أخرجه مسلم في صحيحه وفيه : إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته . وبحديث ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قال صلى الله عليه وسلم : أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله . رواه مسلم
قال المناوي في فيض القدير : ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجرا من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم : أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك . والنفقة الواجبة على الزوج تجاه زوجته وضحناها في الفتوى رقم : 50068 ، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم : 51137 .
والله أعلم .