السؤال
أفتونا في شأن حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما لعنت امرأة دابتها فقال عليه الصلاة وأزكى التسليم "وايم الله لا تصاحبنا دابة عليها لعنة من الله" كيف لعنت الدابة من الله والمرأة هي التي لعنتها ؟ هل معنى ذلك استجابة الدعاء ؟ وما معنى اللعنة على الدابة هنا إذا كان الدعاء قد استجيب ؟ وهل إرسال الناقة هنا عقاب للمرأة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحديث المرأة والدبة صحيح، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. رواه مسلم، وفي رواية: قالت: اللهم العنها. قال النووي: واعلم أن هذا الحديث قد يستشكل معناه ولا إشكال فيه، بل المراد النهي أن تصاحبهم تلك الناقة، وليس فيه نهي عن بيعها وذبحها وركوبها في غير صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، بل كل ذلك وما سواه من التصرفات جائز لا منع منه إلا من مصاحبته صلى الله عليه وسلم بها؛ لأن هذه التصرفات كلها كانت جائزة، فمنع بعض منها فبقي الباقي على ما كان. والله أعلم. انتهى.
وقال ابن مفلح في الفروع: فيتوجه احتمال أن النهي عن مصاحبتها فقط؛ ولهذا روى أحمد من حديث عائشة أنه عليه السلام أمر أن ترد وقال: لا يصحبني شيء ملعون، ويحتمل مطلقا من العقوبة المالية لينتهي الناس عن ذلك هو الذي ذكره ابن هيبرة في حديث عمران، ويتوجه على الأول احتمال إنما نهى لعلمه باستجابة الدعاء، وللعلماء كهذه الأقوال. انتهى.
فهذا هو معنى الحديث ومحمله. ومما يستفاد منه أيضا: الزجر البليغ عن اللعن سيما لعن البهائم ونحوها مما ليس أهلا له، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما ذكر النووي في رياض الصالحين، وساق جملة من الأحاديث منها: ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ. رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلا لذلك وإلا رجعت إلى قائلها. رواه أبو داود. واللعن معناه الطرد والإبعاد من الخير؛ كما في مختار الصحاح. والدابة ليست أهلا للعن فترجع اللعنة إلى لاعنها كما هو مقتضى الحديث.
ولا ينبغي للمسلم أن يعود لسانه على هذا أو على مثله من الألفاظ البذيئة التي لا تليق بمكانة المسلم ورحمته وحبه للخير لجميع الناس، ولكن يقتصر في ذلك على من لعنه الله أو لعنه رسوله صلى الله عليه وسلم
والله أعلم.