جهة الدعاء بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم

0 341

السؤال

فى خطبة الجمعة الماضية تكلم الإمام عن منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال إن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم عند الله تعالى من الكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ ، واستدل على هذا بقوله إن الإمام مالكا سأله أحد الناس أين أتوجه عند الدعاء ؟ للكعبة أم لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم فأمره الإمام مالك بالتوجه لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والسؤال : هل هذا الكلام صحيح ؟نرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي ولكم جزيل الشكر حفظكم الله ووفقكم إلى مايحبه ويرضاه .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق لنا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المخلوقات على الإطلاق ، وأن البقعة التي حوت جسده صلى الله عليه وسلم هي أفضل البقاع ، ويدخل في ذلك كل المخلوقات كالكعبة والعرش والكرسي واللوح المحفوظ وغيرها ، فراجع الفتوى رقم : 40462 ، لكن استدلال هذا الإمام على ذلك بما ذكر عن الإمام مالك غير صحيح ، فاستقبال قبر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء قد اتفق الأئمة الأربعة على النهي عنه ، وقد ذكر شيخ الإسلام أقوالهم في ذلك وفصل القول في بيان مذهب الإمام مالك رحمه الله خصوصا ، فقال في اقتضاء الصراط المستقيم :

ولم يكن أحد من السلف يأتي قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند قبر غيره من الأنبياء ، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه ، واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقبل قبره. وتنازعوا عند السلام عليه فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه ، وهو الذي ذكره أصحاب الشافعي وأظنه منصوصا عنه. وقال أبو حنيفة: بل يستقبل القبلة ويسلم عليه، وهكذا في كتاب أصحابه .

وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط والقاضي عياض وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ولكن يسلم ويمضي .

وقال أيضا في المبسوط: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو لأبي بكر وعمر، فقيل له: فإن ناسا من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه إلا يفعلون ذلك في اليوم مرة وأكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده .

وقد تقدم في ذلك من الآثار عن السلف والأئمة ما يوافق هذا ويؤيده من أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء والتحية كالصلاة والسلام، ويكرهون قصده للدعاء والوقوف عنده للدعاء ومن يرخص منهم في شيء من ذلك فإنه يرخص فيما إذا سلم عليه ثم أراد الدعاء أن يدعو مستقبل القبلة، إما مستدبر القبر أو منحرفا عنه وهو أن يستقبل القبلة ويدعو، ولا يدعو مستقبل القبر. وهكذا المنقول عن سائر الأئمة ، ليس في أئمة المسلمين من استحب للمار أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده. انتهى

ثم ذكر قصة طويلة منسوبة للإمام مالك رحمه الله تشبه ما ذكره السائل ، ثم أجاب عنها قائلا :

فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة أو مغيرة، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه؛ إذ قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء، وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقا، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبل القبلة ويوليه ظهره، وقيل: لا يوليه ظهره ، فاتفقوا في استقباله القبلة وتنازعوا في توليه ظهره وقت الدعاء. ويشبه والله أعلم أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام؟ وهو يسمي ذلك دعاء فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه أن يستقبل القبلة أيضا، ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم وكما قال في رواية ابن وهب عنه: إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة، ويدنو ويسلم ويدعو ولا يمس القبر بيده.

وفي الختام ننبهك إلى عدم مشروعية اختصار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بـ ( ص) بل تكتب صلى الله عليه وسلم كتابة كاملة وقد نبهنا على ذلك في الفتوى رقم : 7334 ، فراجعها .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة