حفظ البهائم السائبة والضالة بالأجرة

0 376

السؤال

اعتاد الناس في بلدي أن يقيموا حظيرة للبهائم السائبة التى تضر بالزرع ويتقاضون رسوما إذا جاء أصحابها لأخذها، فهل ما يتقاضونه من أموال مقابل ذلك حلال أم حرام ؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان المقصود بالبهائم السائبة البهائم الضالة فينظر فإذا كانت هذه البهائم من صغار الماشية كالغنم ونحوها التي لا تمتنع من صغار السباع كالذئاب ونحوه ، فمن أخذها فهو ملتقط لها وهو مخير بين ثلاثة أمور ذكرها ابن قدامة في كتابه المغني فقال : يتخير ملتقطها بين ثلاثة أشياء : أكلها في الحال ، وبهذا قال مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وغيرهم ، ومتى أراد أكلها حفظ صفتها ، فمتى جاء صاحبها غرمها له في قول عامة أهل العلم .

الثاني : أن يمسكها على صاحبها وينفق عليها من ماله ، ولا يتملكها وإن أحب أن ينفق عليها محتسبا بالنفقة على مالكها ، وأشهد على ذلك ، فهل له أن يرجع بالنفقة ؟ على روايتين إحداهما يرجع به نص عليه . وقضى عمر بن عبد العزيز في من وجد ضالة فأنفق عليها ، وجاء ربها ، بأنه يغرم له ما أنفق ، وذلك لأنه أنفق على اللقطة لحفظها ، فكان من مال صاحبها .

الثالث : أن يبيعها ويحفظ ثمنها لصاحبها ، وله أن يتولى ذلك بنفسه . انتهى بتصرف يسير .

وعلى هذا فمن وضعها في حظيرة ليحفظها لربها ويمنعها من إضرار الناس ونوى الرجوع على ربها بما تكلف لذلك فله أن يرجع بما تكلف سواء من العلف أو مكان للحفظ أو أجرة راع ونحو ذلك دون أي زيادة على ذلك. قال ابن مفلح في الفروع : يرجع بنحو نفقته بنيته على الأصح ، قال في المغني : نص عليه فيمن عنده طائر يرجع بعلفه ما لم يكن متطوعا .

وأما إذا كانت من كبار الماشية التي تمتنع على صغار السباع كالإبل والبقر ، فهذه لا تأخذ حكم اللقطة ، ولكن إذا جرى العرف بين الناس أن بعض الناس يقوم بحفظها في حظيرة ليمنعها من إيذاء الناس ويمسكها على أصحابها ويأخذ منهم ما تكلف لذلك فلا حرج .

جاء في التاج والأكليل في شرح مختصر خليل من كتب المالكية  أيضا : عند قول خليل ( وخير ربها بين فكها بالنفقة أو إسلامها ) من المدونة : من وجد الخيل على ما التقط فليعرفها ، فإن جاء ربها أخذها ، وما أنفق على هذه الدواب أو أنفق على ما التقط من عبد أو أمة أو على إبل قد كان ربها أسلمها أو على بقر أو غنم أو متاع أكري فحمله من موضع إلى موضع بأمر سلطان أو بغير أمره ، فليس لرب ذلك أخذه حتى يدفع إليه ما أنفق فيأخذه إلا أن يسلمها إليه فلا شيء عليه في رهونها المنفق على الضالة أحق بها من الغرماء حتى يستوفي نفقته .

أما إذا كان المقصود بالبهائم السائبة : البهائم التي يرسلها أصحابها للرعي في المراعي المباحة فينظر فإذا كان أصحابها يرسلونها نهارا ويحفظونها ليلا فلا يجوز لأحد أن يمنعها من الرعي فضلا عن أن يتقاضى على ذلك رسوما ولو عدت على الزرع ، فإنهم مطالبون بحفظ زرعهم في النهار ، والأصل في ذلك ما في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:  قضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها ، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ما شيتهم بالليل . رواه أبو داود .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إذا كانت ترعى في المراعي المعتادة فأفلتت نهارا من غير تفريط من صاحبها حتى دخلت على حمار ، وقد سئل عن بقرة قتلت حمارا ، فأفسدته أو أفسدت زرعا لم يكن على صاحبها ضمان باتفاق المسلمين فإنها عجماء لم يفرط صاحبها ، وأما إن كانت خرجت بالليل فعلى صاحبها الضمان عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد لقصة سليمان بن داود في النفش ، ولحديث ناقة البراء بن عازب فإنها دخلت حائطا فأفسدته فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل المواشي ما أفسدت مواشيهم بالليل، وقضى على أهل الحوائط بحفظ حوائطهم .اهـ

أما إذا كانوا يرسلونها ليلا ونهارا ، ولم توجد وسيلة لكف هذه البهائم عن إفساد زروع الناس بالليل إلا بحفظها في حظيرة ، فلا حرج في ذلك ولمن حفظها في حظيرة أن يرجع على أصحابها بما تكلف لذلك ، لأنه أدى بذلك عنهم واجب حفظها في الليل ، قال شيخ الإسلام : مذهب مالك وأحمد بن حنبل المشهور عنه وغيرهما إن كل من أدى إلى غيره واجبا فله أن يرجع به عليه إذا لم يكن متبرعا بذلك وإن أداه بغير إذنه .... وكذلك من أدى عن غيره نفقة واجبة عليه مثل أن ينفق على ابنه أو زوجته أو بهائمه .

وينبغي التنبه إلى أن محل ما تقدم من جواز إرسال البهائم نهارا للرعي وعدم جواز منعها من ذلك، إنما هو في المواضع التي فيها مزارع ومراع، أما المواضع التي هي مزارع للناس ولا مراعي فيها فهذه لا يجوز لأصحابها إرسالها وما أفسدته ليلا أو نهارا من أموال الناس ضمنه أصحابها ، وللناس في هذه الحالة لكف الضرر عنهم أن يحفظوها في حظيرة ، سواء أرسلها أصحابها للرعي ليلا أو نهارا ، ولصاحب الحظيرة أن يرجع على أصحابها بما تكلف لذلك كما تقدم .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة