مذاهب العلماء في طهارة من يجمع صوريا

0 655

السؤال

جزاكم الله خيرا على ردكم على الاستفسارات فى الفتوى رقم (71228) لكن كان ضمن الأسئلة سؤال واحد لم تجب لى عليه بالتفصيل أرجو أن ترد لى عليه تفصيليا ولا تحوله إلى فتوى أخرى: أنا سألت فضيلتكم عن الجمع الصوري (جمع المشاركة) للظهر والعصر باستنجاء ووضوء واحد للاثنين بصلاة الظهر آخر وقته والعصر أول وقته وكذلك المغرب والعشاء بطهارة واحدة فقط لمن يشق عليه الوضوء لكل صلاة من أصحاب الأعذار مثل السلس حيث مذهب مالك الذى يرى الجمع بهذه الطريقة ولا يوافق على الجمع فى وقت إحداهما وقال مالك أيضا إن جمع الصلاة لصاحب السلس بهذه الطريقة يحصل على ثواب أول الوقت بالنسبة للفريضتين (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) خلاف لو صلى الفريضتين فى وقت أحدهما والذى لم يرخص به أصلا لصاحب السلس. وقد تفضلتم بالرد بذكر الحديث كاملا الذى رواه الترمذى وصححه أبو داود عن حمنة بنت جحش فى الفتوى رقم (71228). وأيضا ذكرتم فى الفتوى (66016) أن الجمع الصورى ليس زلة عالم بل وافق عليه أبو الحسن في كفاية الطالب الرباني في شرح الرسالة والشوكاني في السيل الجرار. كان سؤالي الذى لم ترد لى عليه تفصيليا هو: متى ينتقض وضوء أصحاب الأعذار الذى يجمع صوريا بطهارة واحدة ؟ هل بخروج وقت الفريضة الثانية ؟ الذى عليه المذاهب الثلاث (الجمهور) هو أن الطهارة لصاحب السلس لكل وقت فريضة كاملا حتى يخرج وقت الفريضة لكن بالنسبة لمن يجيز أو يرى أنه يصح الجمع الصورى لصاحب السلس (سواء أقل من نصف الوقت أو أكثر من نصفه) متى تبطل هذه الطهارة هل بانتهاء صلاة الفريضة الثانية مباشرة أم بانتهاء وقت الفريضة الثانية؟ يعنى أنا أتوضأ قرب آخر وقت المغرب لو صليت المغرب وسنتها ثم دخل وقت العشاء فصليت الركعتين بين الأذان والإقامة ثم العشاء جماعة وسنتها والقيام والشفع والوتر بنفس الطهارة والوضوء هل يصح هذا حتى لو خرج أى شىء؟أنا عندما سألت فضيلتكم عن الفصل بين الفريضتين لصاحب السلس الذى يجمع صوريا (لو كان يخرج منه شىء) تفضلتم بالاستدلال بأن الرسول صلى الله عليه وسلم فصل بين الفريضتين هذا الاستدلال ليس فى محله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من أصحاب الأعذار !!! أنا أسأل عن:(1) الفصل بين الفريضتين فى الجمع الصورى لصلاة نوافل أو للذهاب للمسجد لادراك جماعة الفريضة الثانية حتى لو كان يخرج شىء هل تبطل الطهارة أم لا تبطل لصاحب السلس (أن لا أسأل عن أولى أم لا)؟ (2) متى تبطل الطهارة هل بخروج وقت الفريضة الثانية أى هل ممكن أصلى أى فوائت أو نوافل بعد الفريضة الثانية أم تبطل بمجرد التسليم من الفريضة الثانية؟أنا أجمع الصلاة بطريقة الجمع الصورى لأنه يشق علي الطهارة خمس مرات يوميا وللحصول على أفضلية أول الوقت كذلك لإدراك الجماعة حيث يوجد مصلون يصلون الظهروالمغرب فى آخر الوقت فأدرك معهم الجماعة وانتظر حتى تقام الصلاة للفريضة الأخرى (عصر أو عشاء) فأصلى بنفس الوضوء جماعة معهم لأنك كما تعلم هناك من يرى السلس غير ناقض وأن الجماعة واجبة (واركعوا مع الراكعين) أو على الأقل للحصول على ثواب الجماعة كسائر الناس لذلك أطلب من فضيلتكم الإجابة بدقة ؟
وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمعذور كالمستحاضة وصاحب السلس يجوز له أن يجمع بين كل صلاتي جمع بطهر واحد في وقت إحداهما ويصليهما وما شاء من النوافل والفائتات بطهر واحد على الراجح من أقوال أهل العلم وهو مذهب الحنفية والحنابلة. وأما إن جمع جمعا صوريا بحيث صلى الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها فإنه لا يلزمه الوضوء عند المالكية لأنهم يرون أن السلس الملازم لنصف الزمان فأكثر غير ناقض، فله أن يصلي بوضوئه الصلوات الخمس إن لم ينتقض وضوؤه بغير حدث السلس، وهذا إذا لم يقدر على رفعه، فإن قدر على رفعه فإنه ينقض مطلقا كسلس مذي لطول عزوبة أو مرض يخرج من غير تذكر أو تفكر أمكنه رفعه بتداو أو صوم أو تزوج، ويغتفر له زمن التداوي والتزوج. وعليه.. فلو أخذت بهذا المذهب فلا حرج عليك .

وأما أكثر الفقهاء فيرون أن الوضوء يبطل بدخول وقت الصلاة الأخرى وقيل يبطل بخروج وقت الصلاة التي توضأ لها ولو لم يدخل وقت الصلاة الأخرى كمن توضأ وصلى الفجر فإن وضوءه ينتقض عند طلوع الشمس، ووقت الظهر لم يدخل كما هو معلوم، ولا يخرج بمجرد أداء الصلاة، بل له أن يصلي في وقتها ما شاء من النوافل والفرائض الفائتة وهذه نصوص أهل العلم :

فالصحيح عند الحنفية أن الوضوء يبطل عند خروج وقت المفروضة ، بالحدث السابق وهو قول أبي حنيفة .

وقال زفر : يبطل بدخول الوقت , وقال أبو يوسف ومحمد : يبطل بهما .

قال الكاساني رحمه الله في بدائع الصنائع: ثم اختلف أصحابنا في طهارة المستحاضة أنها تنتقض عند خروج الوقت أم عند دخوله أم أيهما كان، قال أبو حنيفة ومحمد: تنتقض عند خروج الوقت لا غير. وقال زفر: عند دخول الوقت لا غير . وقال أبو يوسف عند أيهما كان , وثمرة هذا الاختلاف لا تظهر إلا في موضعين :

أحدهما: أن يوجد الخروج بلا دخول كما إذا توضأت في وقت الفجر , ثم طلعت الشمس فإن طهارتها تنتقض عند أبي حنيفة , وأبي يوسف , ومحمد لوجود الخروج , وعند زفر لا تنتقض لعدم الدخول ,

والثاني: أن يوجد الدخول بلا خروج كما إذا توضأت قبل الزوال , ثم زالت الشمس فإن طهارتها لا تنتقض عند أبي حنيفة ومحمد لعدم الخروج، وعند أبي يوسف وزفر تنتقض لوجود الدخول. وجه قول زفر أن سقوط اعتبار المنافي لمكان الضرورة , ولا ضرورة قبل دخول الوقت فلا يسقط , وبه يحتج أبو يوسف في جانب الدخول , وفي جانب الخروج يقول: كما لا ضرورة إلى إسقاط اعتبار المنافي قبل الدخول لا ضرورة إليه بعد الخروج فيظهر حكم المنافي , ولأبي حنيفة ومحمد ما ذكرنا أن وقت الأداء شرعا أقيم مقام وقت الأداء فعلا لما بينا من المعنى , ثم لا بد من تقديم وقت الطهارة على وقت الأداء حقيقة، فكذا لا بد من تقديمها على وقت الأداء شرعا , حتى يمكنه شغل جميع الوقت بالأداء , وهذه الحالة انعدمت بخروج الوقت فظهر حكم الحدث , ومشايخنا أداروا الخلاف على الدخول , والخروج فقالوا : تنتقض طهارتها بخروج الوقت , أو بدخوله لتيسير الحفظ على المتعلمين؛ لا لأن للخروج أو الدخول تأثيرا في انتقاض الطهارة، وإنما المدار على ما ذكرنا .

قال البهوتي رحمه الله: (ويتوضأ من حدث دائم لوقت كل صلاة إن خرج شيء ) لقوله صلى الله عليه وسلم في  المستحاضة { وتتوضأ عند كل صلاة } رواه أبو داود والترمذي من حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده . ولقوله أيضا لفاطمة بنت أبي حبيش { وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت } رواه أحمد وأبو داود والترمذي , وقال : حسن صحيح ; ولأنها طهارة عذر , فتقيدت بالوقت , كالتيمم . فإن لم يخرج شيء لم يبطل , وظاهره أيضا : أنه لا يبطل بطلوع الشمس لو كانت توضأت قبله . قال المجد وغيره : وهو أولى . وجزم به في نظم المفردات , وسوى في الإقناع بينهما , تبعا لأبي يعلى . وإليه ميله في الإنصاف.

 وذهب الشافعية إلى أن على السلس أن يتوضأ لكل صلاة ولو مجموعة مع الأخرى، وذكروا ستة شروط يختص بها من به حدث دائم كسلس واستحاضة وهي : الشد ، والعصب ، والوضوء لكل فريضة بعد دخول الوقت على الصحيح كما في الروضة، وتجزئ قبله على وجه شاذ ، وتجديد العصابة لكل فريضة ، ونية الاستباحة على المذهب، والمبادرة إلى الصلاة في الأصح . فلو أخر لمصلحة الصلاة كستر العورة والأذان والإقامة وانتظار الجماعة والاجتهاد في قبلته والذهاب إلى مسجد وتحصيل السترة لم يضر لأنه لا يعد بذلك مقصرا , ويتوضأ لكل فرض ولو منذورا كالمتيمم لبقاء الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش : توضئي لكل صلاة. ويصلي به ما شاء من النوافل فقط ، وصلاة الجنازة لها حكم النافلة .

والحنابلة في هذا كله كالشافعية إلا في مسألة الوضوء لكل فرض فإنهم ذهبوا إلى أن صاحب الحدث الدائم يتوضأ لكل وقت ، ويصلي به ما شاء من الفرائض والنوافل ما لم يخرج الوقت. وقد سبق كلام البهوتي في هذا.

وننبهك أخيرا إلى أنه لا ينبغي لك أن تدخل نفسك في الخلافات التي وقعت بين الفقهاء في هذه المسألة بل يكفيك أن تأخذ واحدا منها وتعمل به لأن التعمق في كلام العلماء دون معرفة قيوده وشروطه قد يوقع الإنسان في الحيرة .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة