الرد على السابِّ بين الجواز والإعراض

0 283

السؤال

مشكلتي تتلخص في كون أصحابي ( ) يسخرون مني و في جل الأحيان يشتمونني و يسبونني و لكن لا أرد لهم بالمثل لأني لا أريد أن ألطخ لساني بالرغم من أن هذا الفعل يهون أمام بعض الذنوب التي ارتكبتها سابقا فهل إن شتمني صديقي علي أن أشتمه وأسبه لأني إذا لم أسبه يحسب أني ضعيف الشخصية وأني لا أقوى على الدفاع عن نفسي وأني لست رجلا علما أني لا أحب شتم الناس ربما في بعض الأحيان .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا حرج عليك أن تسب من سبك، وتشتم من شتمك، فقد قال تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم {البقرة: 194} وقال: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى: 40} وقال: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم {الشورى: 41-42} وقال: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126}

إذن فلا حرج على من رد عن نفسه وعرضه وجازى المسيء بمثل إساءته؛ إلا إذا أساء إليه بما لا يجوز الرد بمثله كمحرم الجنس من كذب عليه أو تكفيره -مثلا- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وكذلك له أن يسبه كما يسبه، مثل أن يلعنه كما يلعنه، أو يقول: قبحك الله، فيقول: قبحك الله، أو أخزاك الله، فيقول له: أخزاك الله، أو يقول: يا كلب يا خنزير، فيقول: يا كلب يا خنزير. فأما إذا كان محرم الجنس مثل تكفيره أو الكذب عليه لم يكن له أن يكفره ولا يكذب عليه، وإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه، لأن أباه لم يظلمه. انتهى

ولكن العفو أولى والصفح أفضل سيما إذا كان المرء قادرا على الانتصار والانتقام، ولذلك قال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى:40} وقال ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126} وقد مدح العافين عن الناس والكاظمين غيظهم فقال:  وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين* الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين {آل عمران: 133-134} وقال: ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم (* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت: 34-35} فهذا هو المقام السامي والمنزلة الرفيعة التي ينبغي للمرء أن ينشدها والخلق الذي ينبغي الحرص عليه. ولله در القائل:

 إذا نطق السفيه فلا تجبه    * فخير من إجابته السكوت

فإن كلمته فرجت عنه     * وإن خليته كمدا يموت .

وقال:

يخاطبني السفيه بكل قبح    * فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما    * كعود زاده الإحراق طيبا

وانظر إلى هذا المعنى الجميل الذي سطره هذا الشاعر في قوله:

وإن الذي بيني وبين بني أبي    * وبين بني عمي لمختلف جدا

إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم    * وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

ولا أحمل الحقد القديم عليهم     * وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

ومساببة السفيه تفرج عنه وتعطي لكلامه قيمة، وهذا هو ما يتمناه ويطلبه.

   إذا سبني نذل تزايدت رفعة   * وما العيب إلا أن أكون مساببه

وقال الآخر:

   لو كل كلب عوى ألقمته حجرا    * لأصبح الصخر مثقالا بدينار

فأعرض عن الجاهلين، وأبرز لهم خلق الإسلام الرصين في حلمك وعفوك عن سفاهتهم، ولك الأجر عند ربك؛ إلا إذا كان المقام يقتضي أن تجيب فربما كانت الإجابة في بعض الأحيان خيرا من السكوت، ولكن ذلك نادر وقليل. ومرد الموازنة في ذلك إليك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة