السؤال
أحب الله وأملي أن يرضى عني ولكن والدتي الكبيرة السن (78) سنة تفقدني دائما صبري فتجعلني أصرخ وأفقد أعصابي في أحايين كثيرة لا تكاسلا من خدمتها لكنها ومنذ أن كنا صغارا تتصرف تصرفات غير طبيعية ولا تصلي ولا تصوم فهي امرأة دائمة الوسوسة وبعد جهد جهيد جعلتها تصلي وهي جالسة على الكرسي لمرضها لكني أسمع منها كلمات خارجة عن الصلاة وكأن جنيا يسكن فيها ومنه دعاؤها على قسم من إخوتي بالموت وكذا زوجة أخي فأحيانا أكتم في نفسي وأحيانا أنفجر غضبا وعندما أتركها لا تصلي. هذا حالها منذ وعينا عليها فما بالك الآن. انهارت أعصابي فأنا لا أعرف ما أفعل دائما أنا في قلق أن يراها أحد من أحفادها فيضحكون عليها والآن أصبحت غير نظيفة أغلب الأوقات وأنا لا أعرف ما أفعل كيف أجعلها تصلي صلاة لا تتمتم فيها كلمات غريبة وكيف أمسك أعصابي لتحمل ظروف حياتنا (العراق) وما فيها من مآسي وتحملها علما بأني لو سنحت لي الظروف أن أفدي ربي بدمي لفديتها وأنا مسرورة لحبي لربي لكن هل يسامحني ربي عن رفع صوتي على أمي ساعدوني ماذا أفعل ؟
وجزاكم الله خير الجزاء .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يفرج عنكم وأن يصلح حالكم ، وأن يجعل ما تعانونه كفارة لذنوبكم ورفعا لدرجاتكم .
أما بالنسبة لسؤالك فمن الواضح أن أمك قد وصلت سن الهرم ، والضعف البدني والعقلي ، وهي المرحلة التي يتأكد فيها الإحسان إلى من بلغها من الوالدين ، فهي مرحلة احتياجهما وضعفهما عن القيام بأنفسهما ، يقول الله تعالى: إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا {الأسراء: 23 ـ 24 } قال ابن كثير رحمه الله في التفسير : وقوله إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف أي لا تسمعهما قولا سيئا حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء, ولا تنهرهما أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح ، كما قال عطاء بن رباح في قوله ولا تنهرهما أي لا تنفض يدك عليهما ، ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح ، أمره بالقول والفعل الحسن ، فقال : وقل لهما قولا كريما أي لينا طيبا حسنا بتأدب وتوقير وتعظيم ، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة: أي تواضع لهما بفعلك. وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا: أي في كبرهما وعند وفاتهما. انتهى
فيجب عليك الإحسان إلى والدتك ، والصبر عليها ، ويحرم عليك رفع الصوت عليها ، ولا بأس بحثها وأمرها بالصلاة والطهارة بلين ورفق ، وإذا كانت قد وصلت مرحلة الخرف أي اختلاط العقل بالكبر فلا تجب عليها الصلاة, ولا تؤاخذ بما يحصل في صلاتها من خلل في هذه المرحلة .
وإذا كانت محبتك لله صادقة كما ذكرت فامتثلي أمره بالإحسان إلى والدتك ، فإنه سبحانه قد جعل حقها بعد حقه تبارك وتعالى قال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا{النساء: 36}. وقوله تعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا {الأسراء: 23 } ومهما فعلت أمك من ترك الصلاة والصوم وغير ذلك من الأعمال السيئة ، فيجب برها والإحسان اليها ومصاحبتها بالمعروف ، قال تعالى: ووصينا الأنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا {لقمان: 14- 15} .
ولا يخفى عليك قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله رجل من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وتأكدي أن هذه الأم بابك إلى الجنة ، فالجنة عند قدمها ، وفي الحديث: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من؟ يا رسول الله قال: من أدرك أبويه عند الكبر: أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة. رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فنوصيك أيتها الأخت بالصبر واحتساب الأجر ، ولا يستفزك الشيطان ، وإذا بدر منك ما لا ينبغي تجاهها ، فبادري بالتوبة والاستغفار ، والاعتذار منها، واعلمي أن قيامك بخدمتها ورعايتها نوع من الجهاد في سبيل الله ففي الحديث : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال : أحي والداك؟ قال : نعم، قال: ففيهما فجاهد " رواه البخاري ومسلم
وفقك الله لبر والدتك ، وأصلح حالك وجميع المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم .