السؤال
رفع الحرج وأدلته في الشريعة الإسلامية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فان الله تعالى رفع الحرج عن هذه الأمة فلا يكلفون إلا ما يطيقون، قال الله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة:286}، وقال تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج {الحج:78}، وقال تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر {البقرة:185}، وقال الله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}.
وقال ابن كثير في تفسيره عند قوله الله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج : أي ما كلفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشق عليكم إلا جعل الله لكم فرجا ومخرجا، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام بعد الشهادتين تجب في الحضر أربعا، وفي السفر تقصر إلى اثنتين، وفي الخوف يصليها بعض الأئمة ركعة، كما ورد به الحديث، وتصلى رجالا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، وكذا في النافلة في السفر إلى القبلة وغيرها، والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصليها المريض جالسا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، إلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات، ولهذا قال عليه السلام: بعثت بالحنيفية السمحة. وقال لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما أميرين إلى اليمن: بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا، والأحاديث في هذا كثيرة، ولهذا قال ابن عباس في قوله: وما جعل عليكم في الدين من حرج، يعني من ضيق اهـ
وفي شرح سنن النسائي للسندي عند شرح يسر هذا الدين: قال السيوطي: سماه يسرا مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله، لأن الله تعالى رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم.
وقال الشاطبي في الموافقات: إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، والدليل على ذلك أمور:
أحدها: النصوص الدالة على ذلك؛ كقوله تعالى: ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، وقوله: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا...الآية، وفى الحديث قال الله تعالى: قد فعلت. وجاء: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وما جعل عليكم في الدين من حرج، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا، ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم... الآية، وفي الحديث: بعثت بالحنيفية السمحة. وما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وإنما قال: ما لم يكن إثما لأن ترك الإثم لا مشقة فيه من حيث كان مجرد ترك، إلى أشباه ذلك مما في هذا المعنى، ولو كان قاصدا للمشقة لما كان مريدا لليسر ولا للتخفيف، ولكان مريدا للحرج والعسر وذلك باطل.
والثاني: ما ثبت أيضا من مشروعية الرخص وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة كرخص القصر والفطر والجمع وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا النمط يدل قطعا على مطلق رفع الحرج والمشقة، وكذلك ما جاء من النهي عن التعمق والتكليف والتسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال ، ولو كان الشارع قاصدا للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخيص ولا تخفيف.
والثالث: الإجماع على عدم وقوعه وجودا في التكليف، وهو يدل على عدم قصد الشارع إليه، ولو كان واقعا لحصل في الشريعة التناقض والاختلاف وذلك منفي عنها، فإنه إذا كان وضع الشريعة على قصد الإعنات والمشقة وقد ثبت أنها موضوعة على قصد الرفق والتيسير كان الجمع بينهما تناقضا واختلافا. وهي منزهة عن ذلك....
والله أعلم.