خبرة وتجارب الآباء تجعلهم أكثر تقديرًا للأمور من الأبناء

0 236

السؤال

أنا شاب مستقيم، ولي أب وجد لا يقبلان مني شيئا حتى لو كان صحيحا، وهما دائما يحتقراني ويحتقران جيلي، ولا أعرف لماذا! هل بسبب الفرق بين جيلي وجيلهم، مع أنهما دائما يمدحان جيلهما، ولا أعرف ما الأسباب ولا العلاج لهذه المشكلة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإن منزلة الآباء منزلة عظيمة، يجب على من تفضل الله عليه وكرمه بإدراكهم -أحياء- أن ‏يغتنم هذه الفرصة سبيلا إلى الجنة.‏

فقد قرن الله -عز وجل- الأمر بتوحيده بالأمر بالإحسان إلى الوالدين، فقال تعالى: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا {النساء:36}، والنصوص في هذا المعنى كثيرة ‏جدا.‏

والواجب عليك أن تقوم بما أمرك الله به من الإحسان إليهما وبرهما وطاعتهما والسعي ‏فيما يرضيهما -من غير معصية- والتقرب إليهما بإظهار الود لهما والاحترام، وتقبيل ‏أيديهما، والإنصات لحديثهما.‏

وقيامك بما أمرك الله به -على هذا النحو- يجعلك محلا لثقتهما ومصدرا لمعرفتهما، ويهيئهما ‏لقبول قولك.‏

ورد بعض الآباء لما يقوله أبناؤهم -في بعض الأحيان- قد يكون مرجعه إلى الأسلوب ‏الذي يتبع في عرض الأمر، فيتعدى بذلك حدوده في الحوار والأسلوب معهما.‏

وقد يكون الخطأ فيما وصل إليه الابن ذاته، فقد يعتقد صوابا ما ليس بصواب، ويكون الحق في ‏جانب الآباء بما لهم من خبرة وتجارب في الحياة وسعة اطلاع ومعرفة مما لم يدركه الولد ‏بحكم تقادم العهد بهم، وهذا من إحسان الظن بهم.‏

وقد يكون الشيء الذي جئت به صوابا وحقا، ولكن ليس عليك حملهم على ذلك، وإنما ‏عليك أن تعرضه عليهم كما يعرض العبد على سيده أمرا من الأمور، وهكذا جاء القرآن ‏الكريم مبينا أدب الأبناء في دعوة آبائهم. فهذا إبراهيم -عليه السلام- يرى أباه يعبد الأصنام ‏التي يصنعها فيدعوه إلى التوحيد مراعيا مقام الأبوة وجلالها، قال تعالى: واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا.. إلى قوله تعالى: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا {مريم: 47}.

فانظر -يا رعاك الله- إلى إبراهيم -عليه السلام- لما أمره أبوه بهجره وهدده برجمه ماذا قال؟ ‏قال: قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا، واختلاف الأجيال وتقادم الأزمان قد يكون سببا في عدم تفهم ما تقوله والقبول به، لأنهم نشأوا على أمر خالف ما ‏تقوله واعتادوا عليه.

وفي هذا المقام عليك أن تكون حكيما في عرض ما لديك، واختيار ‏الأسلوب المناسب الذي يوافقهما، ويؤدي الغرض المرجو من ورائه، فإن مالا يأتي بالحوار ‏والإقناع لا يأتي بالمواجهة والتسفيه، ومع ذلك فستبقى أمور كثيرة محل خلاف بينك ‏وبينهما، لذات الأسباب السابق ذكرها.‏

ولعل أمثل طريقة ليقبل منك ما تقوله أن تريهم هذا الشيء بفعلك قبل مقالك، فإن أكثر ‏الناس لا يستوعب المقال بقدر ما تصنعه الأفعال.‏

وقد جاءت السنة الكريمة مبينة لذلك الأمر، فقد كان يأتي الرجل الرسول -صلى الله عليه ‏وسلم- يسأله عن أمر من الأمور فيجيبه بلسانه، لما يعلم النبي -صلى الله عليه وسلم- من حاله ‏أن الكلام يقع منه الموقع الملائم، وقد يأتي رجل آخر لا يجيبه بمقاله وإنما بحاله ورؤيته ‏للفعل الذي يجب عليه أن يلتزمه، لأن هذا الرجل قد لا يستوعب الكلام بقدر ما يستوعب ‏الفعل ذاته، ويراه بعينه مطبقا.‏

روى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريده عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ‏رجلا سأله عن وقت الصلاة؟ فقال له: صل معنا هذين (يعني اليومين) ... فلما صلى ‏الرجل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يومين قال صلى الله عليه وسلم: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا ‏رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيت. فمراعاة الأحوال والمقامات وفوارق السن والأفهام أمر اعتني به الشارع الحكيم.‏

ثم إن عليك ألا تصادم مشاعرهما أو تفند آراءهما بحجة أنها قديمة، أو أن الواقع قد تغير، ‏واحذر أن تصفهما بعدم المعرفة، حتى ولو ثبت لديك خطأ ما قالا أو فعلا، فإن ذلك كما ‏أنه مخل بحقوقهما، فهو سبب في تسفيه آرائك واحتقار جيلك بحق أو بغير حق. وتكون ‏أنت المتسبب في ذلك.‏

فعليك أن تعلم مقام الأبوة، وأن تتسلح بسلاح العلم والعمل معا، سالكا في ذلك السبيل ‏الأمثل.‏

والله أعلم. ‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة