الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فللجنابة سببان:
السبب الأول: الجماع وهو أن يلتقي الختانان وتغيب حشفة الذكر في الفرج ولو لم يحدث إنزال وبذلك يصير كل من الرجل والمرأة جنبا.
السبب الثاني: نزول المني باحتلام أو غيره، والاحتلام هو أن يرى النائم كأنه يباشر أو يجامع، فإذا استيقظ ورأى الماء (المني) في ثيابه فيجب عليه الغسل، وإذا لم ير شيئا فلا شيء عليه.
ودليل الحالة الأولى ما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل. وفي لفظ مسلم: ولو لم ينزل. ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة وجب الغسل.
وأما دليل الحالة الثانية، فما رواه البخاري عن أم سلمة: أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟ قال: نعم، إذا رأت الماء، فضحكت أم سلمة، فقالت: تحتلم المرأة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبم يشبه الولد. وفي سنن أبي داود عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدت المرأة في المنام ما يجد الرجل فلتغتسل.
وأما سن الاحتلام المعتبرة فهي تسع سنين قمرية فما فوقها للذكر والأنثى، وما حصل قبل ذلك فلا يعتبر منيا يترتب عليه ما يترتب على المني المعتبر من الغسل ونحو ذلك، وأما تكرر نزول المني للفتاة فقد يكون لقوتها وشدة غريزتها، وقد يكون لمرض ألم بها، وقد ينزل المني بغير إرادة الشخص كما في الاحتلام أو النظر إلى ما يثير الشهوة، وقد لا ينزل إلا بإرادة منه.
والمقصود برؤيا الاحتلام هو تخيل المرأة أنها تجامع وينزل المني منها ولو قليلا، ويجب عليها الاغتسال عند إرادة مزاولة ما لا تجوز مزاولته إلا بالطهارة كالصلاة وقراءة القرآن ومس المصحف ونحو ذلك، ولا يجب الغسل فورا.
وأما إذا رأت المرأة أنها جومعت ولم تر بعد الاستيقاظ منيا فلا غسل عليها ولو اغتسلت احتياطا فلا مانع منه.
وأما تجنب الاحتلام في النوم فليس في مقدور الإنسان؛ إلا أنه قد يخفف عنه إذا حافظ على الأذكار واستحضر معانيها وتجنب النظر إلى المثيرات وسأل الله أن يجنبه الشيطان لأن الاحتلام تلاعب من الشيطان بالنائم ولذلك كان الأنبياء لا يحتلمون.
وأما العادة السيئة فهي حك الفرج باليد ونحوها حتى ينزل المني وهذا يقع عادة في اليقظة، وقد يحصل الحك في النوم فينزل فيكون محتلما لأن العبرة في الاحتلام بنزول المني، وليس كل نازل من فرج المرأة منيا، بل قد يكون منيا وقد يكون مذيا وقد تكون إفرازات، وقد بينا الفرق بين المني والمذي والإفرازات في الفتوى رقم: 58570.
ومتى عرفت المرأة أن النازل منها مني وجب عليها الغسل، ومتى علمت أنه مذي وجب عليها غسل ما أصابها منه والوضوء قبل ممارسة ما يشترط له الوضوء كالصلاة، وأما الإفرازات ففيها تفصيل بيناه في الفتوى رقم: 15179.
ولا يجب على الفتاة كلما استيقظت أن تنظر في ثيابها هل فيها مني أم لا؟ لأن الأصل عدم وجود المني، ولكن إذا أحست به أو رأته حسب المعتاد وجب عليها الغسل، وخروج المني إلى ظاهر الفرج موجب للغسل ولو لم يصل إلى الملابس الداخلية، وليس مجرد رؤية الإفرازات دليل على احتلام المرأة بل لا بد من وجود المني.
وأما لفظ الغسل فقد ورد بضم العين وفتحها وكسرها، وقد بين الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات الفرق بينها فقال: الغسل بالفتح مصدر غسل الشيء غسلا، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من سدر وخطمي ونحوهما، والغسل بالضم اسم للاغتسال، واسم للماء الذي يغتسل به. فالغسل بضم الغين هو اسم للاغتسال الذي هو عملية صب الماء على البدن.
وللغسل صفتان:
الأولى: صفة كاملة وهي أن يسمي الله تعالى في أوله فيقول: بسم الله، وإن زاد الرحمن الرحيم جاز، وينوي الغسل من الجنابة أو الغسل لاستباحة ما لا يستباح إلا بالغسل كالصلاة والقراءة والمكث في المسجد، ومحل النية القلب، ويغسل كفيه ثلاثا قبل أن يدخلهما في الإناء، ثم يغسل ما على فرجه من الأذى، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل أصابعه العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه، ثم يتحول من مكانه ثم يغسل قدميه، لأن عائشة وميمونة رضي الله عنهما وصفتا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ذلك.
الثانية: صفة مجزئة وهي أن ينوي ويفيض الماء على البشرة الظاهرة وما عليها من الشعر حتى يصل الماء إلى ما تحته، وما زاد على ذلك مما سبق فسنة.
والله أعلم.