0 701

السؤال

ما هو الراجح في حكم كسب الحجام ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فالحجامة معناها: الشق، أو جرح عضو من الجسد كالظهر، ومص الدم منه بالفم أو بآلة ‏كالكأس على سبيل التداوي.‏
والتداوي بالحجامة مستحب، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن كان في شيء من أدويتكم ‏خير ففي شرطة محجم، أو شربة عسل، أو لذعة بنار توافق الداء، وما أحب أن أكتوي". ‏متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: " خير ما تداويتم به الحجامة" رواه أحمد ‏والبخاري، ‏
وقد اختلف أهل العلم في كسب الحجام، فذهب جماعة منهم إلى إباحته وعدم ‏كراهته، ونسب هذا القول إلى أبي حنيفة وأصحابه، وبه قال الليث بن سعد ‏ومالك.‏
قال مالك رحمه الله: ( ليس العمل على كراهية أجر الحجام، ولا أرى به بأسا) نقله ‏الباجي في شرح الموطأ وقال: ( واحتج على ذلك بأن ما يحل للعبد أكله فإنه يحل للأحرار ‏كأجرة سائر الأعمال).‏
ونقل عنه قوله ( لا بأس بمشاطرة الحجام على الحجامة) انتهى من المنتقى شرح الموطأ ‏وذهب الحنابلة والشافعية إلى كراهة كسب الحجام للحر دون العبد.‏
‏ والسبب في اختلافهم هو تعارض الآثار الواردة في ذلك، فمما جاء في كراهية كسب ‏الحجام:‏
‏1- قوله صلى الله عليه وسلم: " شر الكسب مهر البغي وثمن الكلب وكسب ‏الحجام"رواه مسلم.‏
‏2- قوله صلى الله عليه وسلم: " ثمن الكلب خبيث ومهر البغي خبيث، وكسب ‏الحجام خبيث" رواه مسلم
‏3- وعن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام ‏وكسب البغي وثمن الكلب وعسب الفحل" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.‏
‏4- وما رواه أحمد والترمذي وأبو داود أن محيصة استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ‏إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: اعلفه ناضحك ‏وأطعمه رقيقك".‏
‏ ومما جاء في الرخصة في ذلك:‏
‏1- ما رواه البخاري ومسلم عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال: حجم أبو طيبة ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا من ‏خراجه".‏
‏2- ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " احتجم النبي صلى ‏الله عليه وسلم وأعطى الذي حجمه. ولو كان حراما لم يعطه" هذا لفظ ‏البخاري، وله أيضا:" ولو علم كراهية لم يعطه". وعند مسلم: " ولو كان سحتا ‏لم يعطه". فذهب بعض أهل العلم إلى أن أحاديث النهي منسوخة، لكن النسخ لا ‏يصار إليه إلا عند معرفة التاريخ وتعذر الجمع. ‏
وذهب الجمهور إلى الجمع بين الأحاديث وحمل النهي على الكراهة. ‏
قال ابن قدامة في المغني: ( ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة ‏فجاز الاستئجار عليها كالبناء والخياطة، ولأن بالناس حاجة إليها ولا نجد كل أحد متبرعا ‏بها، فجاز الاستئجار عليها كالرضاع. وقول النبي صلى الله عليه وسلم "وأطعمه رقيقك" ‏دليل على إباحة كسبه، إذ غير جائز أن يطعم رقيقه ما يحرم أكله، وتخصيص ذلك بما ‏أعطيه من غير استئجار تحكم لا دليل عليه، وتسميته كسبا خبيثا لا يلزم منه التحريم، فقد ‏سمي النبي صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل خبيثين مع إباحتهما، وإنما كره النبي صلى الله ‏عليه وسلم ذلك للحر تنزيها له، لدناءة هذه الصناعة. وليس عن أحمد نص في تحريم ‏كسب الحجام ولا الاستئجار عليها وإنما قال: نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه ‏وسلم ونقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكله نهاه وقال اعلفه ‏الناضح والرقيق"….وأن إعطاءه للحجام دليل على إباحته، إذ لا يعطيه ما يحرم عليه، ‏وهو صلى الله عليه وسلم يعلم الناس وينهاهم عن المحرمات فكيف يعطيهم إياها، ويمكنهم ‏منها، وأمره بإطعام الرقيق منها دليل على الإباحة، فتعين حمل نهيه عن أكلها على الكراهة ‏دون التحريم….وكذلك سائر من كرهه من الأئمة بتعين حمل كلامهم على هذا، ولا ‏يكون في المسألة قائل بالتحريم. وإذا ثبت هذا فإنه يكره للحر أكل كسب الحجام، ويكره ‏تعلم صناعة الحجامة، وإجارة نفسه لها، لما فيها من الأخبار، ولأن فيها دناءة فكره ‏الدخول فيها….) انتهى كلام ابن قدامة.‏
وعلل الشافعية الكراهة بما في الججامة من مباشرة النجاسة على الأصح عندهم لا لدناءة ‏الحرفة.‏
وبناء على ذلك نقول: من احتاج إلى هذا العمل فلا حرج عليه في أخذ الأجرة والمشارطة ‏عليها، ومن لم يحتج له وفعل ذلك إعانة للمسلمين كان مثابا مأجورا فقد عد بعض أهل ‏العلم من الشافعية عمل الحجامة من فروض الكفايات، فإن أعطي شيئا فله أخذه . والله ‏أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة