السؤال
أنا زوجة وأم لأربعة أطفال وعمري ثلاثون سنة . عندما أتعامل مع الناس أكون في غاية الطيبة والهدوء حتى لو تعرضت للإساءة فلا أستطيع الرد إلا بالبكاء ولكني على النقيض تماما مع أسرتي فإذا تعرضت لأي موقف يغضبني أثور ولا أستطيع التحكم في نفسي وربما شتمت زوجي وأولادي وتطاولت عليهم وأنا أعلم تمام العلم أن هذا لا يجوز ولكني لا أستطيع كبح غضبي والعياذ بالله وأعود أستغفر ربي وأعتذر وزوجي يتفهم أن هذا خارج عن طبيعتي ولذلك فهو يسامحني على الدوام ولكن ذلك بالتأكيد يؤثر سلبا على أطفالي فمن المفروض أنني قدوة أمامهم 0 فماذا أفعل وهل علي إثم في ذلك لأنني أخاف أن أكون أعصي الله ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني. قال: لا تغضب، فردد مرارا، فقال: لا تغضب" وفي رواية أحمد وابن حبان: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله " .
قال ابن التين : " جمع صلى الله عليه وسلم في قوله "لا تغضب" خير الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فنيتقص ذلك من دينه".
وسبيل العلاج منه بتجنب أسبابه ومهيجاته، وعليه يخرج قوله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" أي اجتنب أسباب الغضب ، فعليك أن تنظري ما الذي يثير غضبك وحنقك فاجتنبيه.
واعلمي أن الزوج هو أولى الناس بالمعروف وبالصبر على ما يصدر منه، فكيف تعامليه أسوأ مما تعاملين غيره؟!! وكذلك الأولاد؛ بل عليك أن تتعاملي مع أخطائهم على أنها وافع تجب معالجته لا بالغصب فإن ذلك لا يحل المشكلة بل ربما زاد الطين بلة.
وإذا أحسست بالغضب فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، فقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما تحمر عيناه، وتنتفخ أوداجه فقال صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" متفق عليه من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه.
فإن اشتد عليك الغضب أكثر فإن كنت قائمة فاجلسي، أو قاعدة فاتكئي، أو متكئة فاضطجعي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "إذا غضبت فإن كنت قائما فاقعد، وإن كنت قاعدا فاتكئ، وإن كنت متكئا فاضطجع" أخرجه ابن أبي الدنيا، وقال العراقي في تخريج الإحياء إسناده صحيح.
ومن سبل دفع الغضب وإسكانه: الوضوء. فقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تبرد النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" رواه الإمام أحمد وأبو داود من حديث عطية بن عروة رضي الله عنه.
ولنتذكر مع ذلك فضيلة كظم الغيظ وأنها من صفة المحسنين الذين يحبهم الحق سبحانه، قال تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين) [آل عمران: 134].
وتعدد هذه الطرق وتنوعها في علاج الغضب يبين لنا مبلغ اهتمام الشارع الحكيم بهذه الطبيعة الإنسانية، وكيفية التعامل معها، لعظم الآثار المترتبة على ذلك، فكم من أسر قد هدمت، وعلاقات قد قطعت، ودماء قد سفكت كل ذلك في ساعة غضب لم يحسب لها حساب. فينبغي للمسلم أن يدافع ويجاهد نفسه، وأن يتحلى بصفة الحلم. فقد قال صلى الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري.
والله أعلم.